جورج العاقوري

"الحزب" دوماً في المربع الأول... "الرسالة المفتوحة"

4 تشرين الأول 2023

02 : 00

في إطار دخوله اللعبة السياسية اللبنانية بشكل كامل بعد العام 2005، حيث لم تعد مشاركته تقتصر على السلطة التشريعية عبر خوضه الانتخابات النيابية منذ العام 1992، بل بدأ يشارك بالمباشر بالسلطة التنفيذية عبر وزراء حزبيين منذ العام 2005 بناء على فتوى دينية من الشيخ الراحل عفيف النابلسي، غالباً ما يسعى «الحزب» إلى غض النظر أو التملّص في العلن من البيان التأسيسي الصادر من حسينية الشياح في 16 شباط 1985 أو ما يعرف بـ»الرسالة المفتوحة».

يومها، لم يضطر «الحزب» إلى المراوغة السياسية أو ارتداء القفازات في موقفه بل أعلنها جهاراً «إننا أبناء أمّة حزب الله التي نصر الله طليعتها في إيران وأسست من جديد نواة دولة الإسلام المركزية في العالم، نلتزم أوامر قيادة واحدة حكيمة تتمثل بالولي الفقيه الجامع للشرائط ... وتتجسد في روح الله آية الله الموسوي الخميني مفجّر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة. كل واحد منا يتولى مهمته في المعركة وفقاً لتكليفه الشرعي في إطار العمل بولاية الفقيه القائد. نحن في لبنان لا نعتبر أنفسنا منفصلين عن الثورة في إيران… وندعو الله أن نصبح جزءاً من الجيش الذي يرغب في تشكيله الإمام من أجل تحرير القدس الشريف».

لذا أطلق الأمين لعام لـ»حزب الله» حسن نصر الله ما سمي «الوثيقة السياسية الجديدة» في 30 تشرين الثاني 2009 في محاولة للحدّ من «حديّة» «الرسالة المفتوحة» بعدما راح يستخدم العلم اللبناني إلى جانب علم «الحزب» في نشاطاته. ومما نصّت عليه الوثيقة في هذا الإطار: «لبنان هو وطننا ووطن الآباء والأجداد، كما هو وطن الأبناء والأحفاد وكل الأجيال الآتية، وهو الوطن الذي قدّمنا من أجل سيادته وعزته وكرامته وتحرير أرضه أغلى التضحيات وأعزّ الشهداء. هذا الوطن نريده لكل اللبنانيين على حد سواء، يحتضنهم ويتسع لهم ويشمخ بهم وبعطاءاتهم».

يأتي هذا الموقف في مسعى لإضفاء وجه منفتح على باقي الافرقاء اللبنانيين ولكن لا يسقط طرحه المغلق غير القابل للنقاش بشأن قيام «الجمهورية الاسلامية» ولو أنّه بدأ يلطّفه بالادّعاء أنه لن يفرضه على اللبنانيين بالقوة بل سيسعى إليه بالاقناع وبالمسار الديمقراطي، مراهناً بالتوازي على عامل الوقت والديموغرافيا وعلى مواصلة سياسة القضم لمؤسسات الدولة ولكل القطاعات والتغلغل الجغرافي المدروس.

غير أنّ ممارسات «الحزب» وبعض مواقف مسؤوليه بين الحين والآخر تؤكد أنّه لم ولن يخرج يوماً من المربع الأول أي «الرسالة المفتوحة». في هذا الاطار يمكن فهم المواقف التي أطلقها نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم في مؤتمر الوحدة الإسلامية في طهران في 1/10/2023، ومما جاء فيها: «فلنتسالم على أن يكون لتعاوننا حداً أدنى وحداً أقصى. الأدنى بأن لا تنخرط أي جهة في معسكر أعداء المسلمين ضد أي جهة أخرى، أما الأقصى فلا حدود له. فلنتعاون في كل المجالات الممكنة على المستوى الثقافي والسياسي والاجتماعي والعسكري والتربوي».

التعاون الثقافي والاجتماعي والتربوي أمر مفهوم، لكن ماذا عن التعاون السياسي والعسكري تحديداً؟ هل تحدده الدولة أم مكوّن؟ هل لبنان دولة إسلامية؟ وهل الصراعات في العالم اليوم هي بين الاسلام وغير الاسلام؟ هل هذا هو واقع حال التطهير الآذري للأرمن في آرتساخ (ناغورنو– كاراباخ) أوليس تواطؤ مصالح الدول والحاجة إلى غاز باكو على حساب أرمينيا التاريخية (أذربيجان ذات غالبية إسلامية وأرمينيا أول دولة إعتنقت المسيحية في العالم)؟

مهما سعى «حزب الله» إلى تمويه حقيقة مشروعه، فمن المستحيل لبننة مشروع منطلقاته وعلّة وجوده وغايته النهائية دينية بامتياز.


MISS 3