ألان سركيس

فرنجية والنكسات الرئاسية: الطريق إلى بعبدا مقفل

لا يبدو الحظ حليف فرنجية رئاسياً

يُصنّف رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية من أكثر السياسيين الذين يبوحون بما يفكّرون فيه. وهذه الصفة يحترمها خصومه قبل حلفائه. لكنها لم تسعفه في قراءة الواقع الرئاسي والمسيحي بشكل جيد، فتراكمت النكسات. كاد الرجل أن يخسر كرسي زغرتا النيابي في معركة 2022 لولا قانون الإنتخاب القائم على النسبية، لكن هذه النتيجة المتواضعة نيابياً لم تؤثّر في حظوظه الرئاسية، فنال بركة «حزب الله»، والأهم من هذا التأييد، هو دعم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لترشيحه.

لكن ترشيح فرنجية سقط بالضربة المسيحية القاضية، وكأن التاريخ يُعيد نفسه، وعلى رغم الإطلاع السياسي لفرنجية إلا أنه يتعامل وكأن لا تأثير للمكوّن المسيحي في الحياة السياسية.

قد يكون فرنجية تعوّد خلال فترة 1990- 2005 على أن السنّي والشيعي والدرزي يقررون في البلد، ولم يقرأ جيداً التغييرات التي أحدثها خروج الدكتور سمير جعجع من المعتقل وعودة العماد ميشال عون من المنفى، فمثلما سقط ترشيحه عام 2016 بـ»فيتو» مسيحي يواجه ترشيحه المصير نفسه في معركة اليوم.

ولا يبدو الحظ حليف فرنجية رئاسياً، ففي العام 2004 كان الممثل الأوحد للموارنة في السلطة وحليف وصديق الرئيس السوري بشار الأسد، لكن الأسد اختار التمديد للرئيس إميل لحود بدل تزكية إنتخاب صديقه.

وحصلت المتغيرات السياسية، ولم يترشح عام 2007، وعاد المرشح الأقوى عام 2016 بفضل دعم الرئيس سعد الحريري له وعدم ممانعة الرياض في انتخابه، لكن «الفيتو» المسيحي و»اتفاق معراب» وموقف «حزب الله» والأسد أسقطا هذا الترشيح.

وتكرر السيناريو نفسه بالأمس، ففرنجية الطامح للوصول إلى بعبدا لم يطوّر مصالحة بكركي التي حصلت مع «القوات اللبنانية» عام 2018، واستخف كثيراً بموقف رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل، واعتبر أنّ الرياض كفيلة بإقناع معراب، والسيد حسن نصرالله يستطيع إقناع باسيل.

وسقطت كل رهانات فرنجية التي هي نسخة عن رهاناته عام 2016 عندما قال إن الحريري سيقنع الحلفاء وعلى رأسهم جعجع بترشيحه، ونصرالله سيقنع عون بالإنسحاب لصالحه. وبالتالي بات فرنجية أمام وضع صعب للغاية، فهو غير قادر على التقدّم داخلياً ومسيحياً، ويصطدم ترشيحه بموقف الرياض الرافض دعم مرشح «حزب الله»، ويضاف إلى كل ذلك موقف الدول الخمس.

وأحدثَ تراجع باريس عن دعم ترشيح فرنجية الضربة القاضية في مسيرته إلى بعبدا. وإذا كان «تيار المرده» يؤكد تمسّك فرنجية بترشيحه، إلا أنّ الواقع السياسي مختلف تماماً عن التمنّيات. وصار حلفاء فرنجية وعلى رأسهم «حزب الله» وحركة «أمل» على دراية بصعوبة وصوله إلى بعبدا بسبب إقفال أبواب الدول الفاعلة أمامه. وفشل «حزب الله» في تأمين الغطاء المسيحي له، ولم يستطع إقناع باسيل بانتخابه.

ويستغل باسيل موقف الدول المعنية والتقاطع مع القوى المسيحية في المعارضة من أجل إبعاد كأس ترشيح فرنجية المرّ، وعلى رغم الأجواء الإعلامية التي تدل على استمرار الحوار مع «الحزب»، إلا أنّ «التيار» يعتبر أنه تمّ تخطي مرحلة ترشيح فرنجية وانتقلت اللعبة إلى مكان آخر مختلف كلياً.

من جهتها، تصرّ «القوات» على استكمال المواجهة السياسية حتى النهاية، ومن غير الوارد القبول بمرشح «حزب الله»، وبالتالي موقف المعارضة مرتبط بشكل كبير بموقف «القوات»، وأقصى ما يمكن التنازل عنه هو القبول بالإسم الثالث.

وبالنسبة إلى القوى السنّية، فقد حسمت الرياض الموقف وأكّدت نفوذها الكبير داخل الساحة السنّية، لذلك فالموقف السنّي بعد لقاء اليرزة مغاير تماماً لموقف ما قبله، ولا إمكانية لكتلة «الإعتدال الوطني» والنواب السنة الذين لا ينتمون إلى 8 آذار لإنتخاب فرنجية.

وإذا كان الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط يدعم إنتفاضة السويداء فهو لن يدعم صديق بشار الأسد في لبنان لكي يصل إلى بعبدا، والليونة الجنبلاطية تجاه الحوار لا تنسحب على مسألة الإنتخاب. لذلك، كما الخارج مقفل أمام ترشيح فرنجية فالداخل أيضاً مغلق. ولا حلّ في القريب العاجل.