المركز اللبناني للدراسات: معوقات تحول دون تطبيق قانون الإثراء غير المشروع

02 : 00

*جملة تحديات تقف أمام تفعيل عمل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد

*ازدادت الهواجس المتعلّقة باستقلالية القضاء لناحية التدخُّل السياسي

*لا يذكر القانون بصريح العبارة سلطة التطبيق على الرئيس ورئيس الوزراء والوزراء

*في قضية ضدّ ميقاتي تجاهل القاضي تطبيق قانون الإثراء غير المشروع



أصدر المركز اللبناني للدراسات تقريراً اعدته الباحثة كريستل بركات تحت عنوان «تطبيق قانون الاثراء غير المشروع: التحديات والفرص». واكد التقرير ان النسخة الأولى من قانون الإثراء غير المشروع في لبنان أُقرت في خمسينات القرن الماضي ثم عُدِّل في العام 1999، من دون أن يُخليه ذلك من الشوائب ويُسهِّل تطبيقه. ووفقًا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، لم يكن القانون «متماشياً مع المعايير الدولية» كما أنَّه يتضمّن عدداً من الثغرات القانونية. وفي عام 2020، خضع القانون لمراجعة دقيقة وشاملة مع التركيز على مسألة التصريح عن الذمة المالية والمصالح، وخاصّةً بالنسبة للموظّفين والمسؤولين في القطاع العام. شدَّدَ القانون هذه المرّة بشكلٍ أكبر على تصريح هؤلاء الموظفين والمسؤولين عمّا يملكونه من أصول ومصالح وديون ومداخيل، كما فرضَ عقوباتٍ وازنةً في حال عدم التصريح عنها. وفي ما يلي نص التقرير:


القانون الجديد

أُقِرَّ القانون الجديد المتعلّق بالتصريح عن الذمة المالية والمصالح ومعاقبة الإثراء غير المشروع، المعروف أيضاً بقانون الإثراء غير المشروع لعام 2020 أو القانون رقم 189، في تشرين الأول 2020، وهو يُجسِّد التزام لبنان بمكافحة الفساد للوفاء بموجباته حيال اتفاقيّة الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي صادق عليها في عام 2009. جاءَ إقرار هذا القانون في مرحلةٍ مفصلية بعد التحرّكات الاحتجاجية التي شهدَها لبنان عام 2019 والتي دعت إلى تعزيز الشفافية والمساءلة على صعيد الحكومة.

تتضمّن أحدث نسخة من القانون تعريفاً أكثر وضوحاً لموظّفي القطاع العام ومَنْ المُلزم منهم بالتصريح عن أصوله ومصالحه، بالإضافة إلى تحديد دور الهيئة الوطنيّة لمكافحة الفساد لناحية تطبيق القانون. يتضمّن القانون تفاصيل عملية التصريح ومحتوياتها في الفصل الثاني، ويُعرِّف بجريمة الإثراء غير المشروع في الفصل الثالث، وينصّ في الفصل الرابع والأخير على إلغاء النسخ السابقة من القانون وغيرها من النصوص التي تتعارض معه.

التحديات المرتبطة بالقانون رقم 189 وتطبيقه

لا شكَّ في أنَّ القانون الجديد المتعلّق بالتصريح عن الذمة المالية والمصالح ومعاقبة الإثراء غير المشروع يُمثِّل خطوةً في الاتّجاه الصحيح، إلّا أنَّ تحدّياتٍ كثيرة قد تَحول دون تطبيقه. وليس الهدف من القائمة التالية عرض كافّة التحديات، بل الإضاءة على العوائق الرئيسية المتعلقة بالقانون وتطبيقه.

تفعيل دور الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد

تؤدّي الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد دوراً أساسياً في تطبيق القانون رقم 189، كونها مُكلَّفة بالتحقيق في قضايا الإثراء غير المشروع وإحالتها إلى المحاكم المختصّة، واستلام التصريحات عن الأصول والمصالح. بالتالي، من المهم تزويد هذه الهيئة بالموارد البشرية والمادية والمالية الكافية لتنفيذ هذه المهام.

تطرَّقَ العدد السابق من «مرصد الإصلاح» إلى التحديات المرتبطة بتفعيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والتي ما زالت تؤثّر على مهمّة الهيئة. وهي تشمل:

التأخيرات الإدارية في الموافقة على وثائق رئيسية خاصة بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.

طبيعة العمليات البيروقراطية (التي تُسبِّب هذه التأخيرات).

الوضع الحالي للإدارات العامة.

التأخيرات في تلقّي المخصّصات النقدية.

تدهوُر قيمة الليرة اللبنانية (الذي أدّى بدوره إلى انخفاض قيمة ميزانية الهيئة).

إستقلالية القضاء

يتعيّن على الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أن تُحيل قضايا الإثراء غير المشروع إلى القضاء بعد انتهاء التحقيق. ولكن، ازدادت خلال السنوات القليلة الماضية الهواجس المتعلقة باستقلالية القضاء، وخصوصاً لناحية التدخُّل السياسي. ويشكّل ذلك تحدياً مستمراً في طريق الجهود الرامية إلى الحدّ من الفساد وملاحقة القضايا المتعلقة بالإثراء غير المشروع.

الجدل المحيط بالأثر الرجعي للقانون

يوجد رأيان مختلفان بشأن الأثر الرجعي للقانون، أوّلهما يرى أنَّ لا أثر رجعياً له، ما يعني أنّ القانون الجديد لا ينطبق على الجرائم التي وقعت في زمن قوانين الإثراء غير المشروع السابقة، وأنّه لن يدخل حيّز التنفيذ أو لن ينطبق إلّا على الجرائم التي تقع بدءاً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية. وفي هذه الحالة، يُطبَّق مرور الزمن على الجريمة وتُحدَّد على هذا الأساس إمكانية أو عدم إمكانية الملاحقة قانونياً.

أمّا الرأي المُخالِف فيعكس نيّة المشرّع الذي يعتبر أنّ الإثراء غير المشروع جريمة تمتدّ عبر الزمن. ووفقاً لهذا المنظور، يُعتبر القانون ذا أثر رجعي، ما يعني أنّه ينطبق على جرائم الإثراء غير المشروع التي وقعت قبل إقرار القانون. وفي هذه الحالة، يبدأ مرور الزمن من لحظة اكتشاف الجريمة، حتّى لو ارتُكِبَت منذ سنوات.

تقديم شكوى في ظلّ غياب الدليل

يمكن لأي فرد أن يقدّم شكوى حول الإثراء غير المشروع من دون الحاجة إلى إرفاقها بدليل. ويؤدي ذلك إلى بروز تحديَيْن أساسيَّيْن، يسمح أوّلهما باستخدام القانون رقم 189 بطريقة تعسُّفية، ما يحبط مسعاه ويحدّ من فعاليته. فهناك مثلاً هواجس تتعلّق بتقديم شكاوى ضد موظفين في القطاع العام إمّا جزئياً أو كلياً بسبب انتمائهم السياسي، من دون أن يكونوا مرتبطين فعلياً بجرائم الإثراء غير المشروع. ثانياً، قد يؤدي عدم توفير دليل إلى إغراق المحاكم بشكاوى إثراء غير مشروع لا أساس لها، ما يزيد من التحديات التي تواجه القضاء الذي تأثّر بدوره بالأزمة الاقتصادية مؤخراً.

الجدل حول تطبيق القانون رقم 189 على كبار موظفي القطاع العام


لا يذكر القانون رقم 189 بصريح العبارة سلطته على كبار موظفي القطاع العام مثل الرئيس ورئيس الوزراء ومجلس الوزراء، بل يشير ببساطة إلى القوانين الأخرى التي يمكن تطبيقها في هذا الإطار.

تنطبق أحكام القانون رقم 189 على الرئيس، ولكنه يُحاكَم أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. ووفقًا للجمعية اللبنانية لحقوق المُكلَّفين، يمكن محاكمة رئيس الوزراء ومجلس الوزراء في المحاكم العادية لأنّ جرائم الإثراء غير المشروع تُعتبَر أفعالاً شخصية غير متعلقة بالمهام الوزارية. ومن المهم الإشارة إلى هذا التمييز لأنَّ الوزراء يجب أن يُحاكَموا أمام المجلس الأعلى بالنسبة لأي جريمة مرتبطة بمهامهم الوزارية.


ما أهمية ذلك؟

يعزّز القانون رقم 189 الشفافية والمساءلة، وخصوصاً في القطاع العام وبالنسبة إلى الموظفين الحكوميين. وترتبط أهميته كذلك بالتطوّرات الأخيرة وقابلية تطبيقه في هذا السياق.

بدأت شكاوى الإثراء غبر المشروع بالظهور بعد شهرين من صدور القانون. وقد طُبِّق القانون رقم 189 لأوّل مرّة في عام 2021 في إطار قضية متعلقة بوزارة المهجّرين، حين اتُّهم 17 موظّفاً حكومياً باقتناء أصول لا يمكن تفسيرها بالمقارنة مع دخلهم. وتناولت قضية أخرى عسكريين سابقين رفيعي الرتبة اشتُبه بتورّطهم بالإثراء غير المشروع.

علاوةً على ذلك، تزامن إصدار القانون رقم 189 مع قضية إثراء غير مشروع قائمة ضد رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، ولكن القاضي المُكلَّف بالقضية اختار عدم تطبيق القانون رقم 189 في المحكمة، ما أدّى إلى إسقاط القضية في نهاية المطاف على أساس مرور الزمن. ولم يُعرَف السبب وراء تطبيق القانون القديم بدلاً من القانون رقم 189.

شكّل القانون رقم 189 كذلك أساساً لدعوى تقدّم بها عدّة محامين في عام 2021 ضد الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة وخبيرَيْن ماليَّيْن آخرَيْن. وقد طالبَ المحامون خصيصاً بتطبيق التدابير الاحترازية المُفصَّلة في القانون رقم 189، بما في ذلك رفع السريّة المصرفية، وتجميد الحسابات والأموال، وفرض حظر على السفر. وطالت بعض قضايا الإثراء غير المشروع مؤخراً مراكز تسجيل المركبات الآلية وموظفي إدارة السير.

للقانون رقم 189 انعكاسات إيجابية عموماً في مجال الحدّ من الفساد ومكافحة الإثراء غير المشروع. وفي حين أنّه يُعَد بمثابة خطوة إلى الأمام مقارنةً بالقوانين السابقة، ما زال يواجه تحدّياتٍ من شأنها أن تقوّض فعاليته وقدرته على محاسبة مرتكبي جرائم الإثراء غير المشروع. ورغم ذلك، إذا طُبِّق بالطريقة الصحيحة، يمكن لهذا القانون أن يساهم في رفع مستوى الشفافية والمساءلة، مُمهِّدًا الطريق نحو .الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار في لبنان

تنويه

وذكر المركز انه في إطار جهود المناصرة التي يبذلها المركز اللبناني للدراسات في سبيل تحقيق تعافٍ مستدام، محوره الإنسان، من انفجار مرفأ بيروت، وتماشيا» مع مساعيه الرامية إلى تعزيز العدالة الاجتماعية المُنصِفة والشاملة للجميع، وبناء الثقة بين الأفراد والكيانات والحكومة اللبنانية، أقام شراكة مع منظّمة الشفافية الدولية وفرعها الوطني، أي منظمة الشفافية الدولية لبنان - لا فساد، لإصدار «مرصد الإصلاح». ترتبط المواضيع التي يغطيها المرصد بمجالات الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار. ويندرج المرصد في إطار مشروع بناء النزاهة والمساءلة الوطنية في لبنان («بناء») المموّل من الاتحاد الأوروبي. في نهاية كانون الأوّل 2022، تمت مراجعة الإطار العام من أجل التقييم والتكيّف بناءً على اختتام المرحلة الأولى، ويتمّ الآن العمل على إجراء التحديثات المتوقعة. الآراء الواردة فيه لا تعكس بالضرورة وجهة نظر الجهة المانحة.

في عددٍ سابق من «مرصد الإصلاح»، تم التعريف بالهيئة الوطنيّة لمكافحة الفساد بالتفصيل مع الإشارة إلى القوانين المتعدّدة التي تعمل على رصدها. ومن جملة هذه القوانين المُعدَّلة، تمّ إقرار قانون التصريح عن الذمة المالية والمصالح ومعاقبة الإثراء غير المشروع في عام 2020، وهو موضوع هذا العدد من «مرصد الإصلاح».



MISS 3