أحمد عياش

الحرب ورؤوس في الرمال

12 تشرين الأول 2023

02 : 00

دخل لبنان فعلياً في الحرب التي عاش أهوالها عام 2006. لكن في عام 2023، لن يكون زعيم «حزب الله» حسن نصرالله مضطراً ليقول مجدداً «لو كنت أعلم» كما فعل قبل 17 عاماً. فهو هذه المرة يعلم ويتصرف على أساس ذلك.

ما يأتي من مشاهد وشواهد من المناطق الحدودية المتاخمة لإسرائيل تعطي الدليل القاطع على أنّ هناك حرباً تأخذ مسارها المتدرج كي تحتل موقعها على منصة الحرب كما نعرفها. كما أنّ سكان تلك المناطق تصرفوا منذ نهاية الأسبوع الماضي على أنّ الحرب ستندلع. لذلك، لا داعي لانتظارها والرحيل على عجل كما حصل عام 2006. ولذلك، يتصرف سكان تلك المناطق سواء أكانوا من البيئة الحاضنة لـ»الحزب» أم لا، على أساس أنّ الحرب آتية. وفي المعلومات أنّ كبار السنّ في البيئة الحاضنة جرى نقلهم من البلدات والقرى الحدودية. وكذلك في معلومات حزب وسطي أنّ مناطق في جبل لبنان استقبلت عام 2006 نازحين جنوبيين، بدأت تتلقى طلبات مماثلة لتلك التي قدموها في حرب ذلك العام كي يستأجروا شققاً في الجبل.

لن يقول «حزب الله» كلمة في هذه المعطيات أو غيرها. فهو يعتبر الصمت في هذه الظروف هو «الذهب» مقارنة بـ»فضة» الكلام. ومن أحدث النماذج على هذا الصمت، أنّ موقع «العهد» الإخباري التابع لـ»حزب الله» اختار أمس قصته الرئيسية ما صرّح به مدير معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي اللواء تامير هايمن على موقع «إكس». فتعليقاً على معركة «طوفان الأقصى» والأحداث على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، قال: «لسنا الآن في حرب متعدّدة الساحات».

ما هي العبرة في نشر موقع «الحزب» ما قاله الجنرال الإسرائيلي في نص طويل؟ هل هو، أي الموقع، يتبنى ما قدّره هذا الجنرال من أنّه ليست هناك حالياً «حرب متعدّدة الساحات»؟ أم لا؟

في أحدث المعلومات أيضاً، أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، تبلّغا رسمياً من سفيرة الولايات المتحدة الأميركية في لبنان دوروثي شيا تحذيراً من ادارتها من أن يدفع لبنان ثمناً باهظاً من خطر انزلاق هذا البلد إلى الحرب الدائرة في غزة. ولم يصدر أي موقف من بري أو ميقاتي من هذا التحذير. وكان علينا ان نقرأ المقالات التي يوقعها كتاب مقربون من المرجعيتَين لا سيما بري، تركز على ما يعتقده الاخير ان على واشنطن ان تعالج الموقف في إسرائيل.

في وضع كهذا، يعود المشهد نفسه الذي عاشه لبنان عشية حرب تموز 2006. واكتفى المسؤولون والقيادات يومذاك بأن «أطمأنوا» بأنّ نصرالله قال لهم خلال الحوار إلى طاولة بري أنّ على اللبنانيين «أن يصيّفوا ويكيفوا، لأنّ لا حرب ستندلع». لكن الحرب اندلعت وبقية القصة يعرفها كل من كان واعياً في ذلك الوقت.

ما يميّز لبنان عام 2006 عن لبنان 2023 أنّ نصرالله شخصياً لم يعد في موقع من يستطيع أن يمنح تطمينات حتى لبيئته الحاضنة. وفي المقابل، ليس هناك من المسؤولين وعلى رأسهم بري وميقاتي، يجاهر على الأقل بتنبيه اللبنانيين بالدعوة إلى أخذ الحيطة والحذر، مما هو آت وربما أعظم من حرب 2006.

كيف يفعلون ذلك ورؤوسهم مدفونة في رمال الانصياع لإرادة «المرشد» اللبناني؟


MISS 3