رافي أغراوال

المفاوضات هي الحلّ الوحيد

13 تشرين الأول 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

مدفعية الجيش الاسرائيلي تطلق قذائف بالقرب من الحدود مع غزة - 11 تشرين الأول 2023

فيما تستعدّ إسرائيل لإطلاق حرب برية كبرى في غزة، لا يُعتبر الوقت مناسباً لتحليل ما جعل أجهزتها الاستخبارية تفشل في رصد أي مؤشر على هجوم حركة «حماس» المدمّر برّاً، وجوّاً، وبحراً، في نهاية الأسبوع الماضي. سيحين وقت ذلك التقييم لاحقاً، كما حصل بعد الحرب العربية الإسرائيلية في العام 1973، فقد كان ذلك الهجوم مفاجئاً أيضاً وبدأ المحلّلون يقارنون الاعتداء الأخير به هذا الأسبوع. لكن مثلما عكس اعتداء يوم السبت فشلاً ذريعاً في عمل الاستخبارات، هو يشير أيضاً إلى إخفاق دبلوماسي بارز أو تخلي العالم عن عملية السلام في الشرق الأوسط. في معظم فترات الثمانينات والتسعينات، استعانت الولايات المتحدة بخدمات آرون ديفيد ميلر للعب دور الوساطة في المفاوضات العربية الإسرائيلية. تعاون ميلر عن قرب مع ستة وزراء خارجية أميركيين من الحزبَين الجمهوري والديمقراطي. ومنذ أن ترك وزارة الخارجية في العام 2003، تراجع دور الدبلوماسية بكل وضوح، ما يجعل الحرب الراهنة نتيجة تطوّرات بدأت منذ سنوات. ما رأيه بالأحداث الأخيرة؟



آرون ديفيد ميلر



نظراً إلى اطّلاعك الواسع على تاريخ الشرق الأوسط، هل تعتبر اعتداء يوم السبت غير مسبوق؟ اعتبره بعض المحللين الأميركيين نسخة إسرائيلية من هجوم 11 أيلول.

قد تكون المقارنات التاريخية شائبة جداً، لا سيّما عند مقارنة ما يحصل في الشرق الأوسط بسياستنا الخاصة. كنتُ لأفضّل استعمال العام 1973 كنقطة انطلاق لتحليل بعض المسائل. كانت تلك الاعتداءات التي مهّدت لاندلاع الحرب تنجم عن إخفاق استخباري هائل، لكن حصلت الحرب حينها على الحدود ولم تستهدف المدنيين بشكل عام. كذلك، كان الرئيس المصري أنور السادات يطبّق استراتيجية واضحة لإلحاق هزيمة عسكرية محدودة ومستهدفة بإسرائيل عبر ترسيخ الوجود المصري على الضفة الشرقية لقناة السويس ثم إيجاد طريقة لتغيير الوضع، بمساعدة كبيرة من الولايات المتحدة، وصولاً إلى عقد اتفاقيات لفكّ الارتباط على أمل أن تُمهّد الظروف لفرض معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل.

لكنّ ما حصل في الأيام الأخيرة مختلف جداً. إنه جزء من مواجهة طويلة بين إسرائيل وحركة «حماس». لا أعرف نتيجة هذا الصراع، لكن من الواضح أننا أمام أكبر هجوم على المدنيين في تاريخ دولة إسرائيل. من الواضح أن استراتيجية «حماس» ليست مُركّزة أو متماسكة بقدر استراتيجية السادات.

تزعم «حماس» أنها تحتجز أكثر من مئة رهينة إسرائيلية، وهذا العامل يزيد تعقيد أي رد إسرائيلي محتمل. كيف يمكن أن تتعامل إسرائيل مع هذا الوضع؟

الوضع مختلف جداً عن ظروف العام 1973، حين أخذ السوريون والمصريون عدداً كبيراً من السجناء. الوضع أكثر خطورة بكثير. ينتج مقتل 900 إسرائيلي مستويات استثنائية من الغضب، والكره، والدعوات إلى الانتقام. لكن يجب أن يُقارَن مقتل هؤلاء باحتجاز 150 رهينة حيّة. إنها المعضلة الحقيقية التي تواجهها إسرائيل برأيي. البحث عن التوازن زاد التوتر وأنتج درجة من التردّد والشلل في طريقة الردّ على الأحداث الأخيرة.

ردّ الإسرائيليون بخطوتَين تكتيكيتَين، ففرضوا الحصار على غزة وأطلقوا سلسلة من الضربات الجوية الانتقامية. لكن ما نفع تلك التكتيكات إذا كانوا ينوون إطلاق عملية برية على نطاق أوسع أو إذا أرادوا إيجاد طريقة معينة لتحرير الرهائن؟ هذا العامل يجعل الوضع فريداً من نوعه. تبدو جميع الخيارات المحتملة محفوفة بالمخاطر.

تعطي مسألة إطلاق سراح الأسرى صدىً واسعاً في الشارع الفلسطيني وقد تزيد نفوذ «حماس» بشكلٍ ملحوظ. هل سيكون الإسرائيليون مستعدّين لدفع الثمن الآن؟ مجدداً، تكثر المعطيات التي لا تزال مجهولة بالنسبة لنا كمحللين وبالنسبة إلى الإسرائيليين طبعاً.

من بين جميع السيناريوات المتوقّعة خلال الأسابيع المقبلة، سيكون انضمام «حزب الله» إلى هذه الحرب السيناريو القادر على تصعيد الوضع.

سيكون فتح الجبهة الشمالية كفيلاً بحصول هذا السيناريو، نظراً إلى تفوّق «حزب الله» على مستوى التكتيكات والتدريبات والأسلحة التي جمعها منذ العام 2006. بعد مرور 17 سنة، توسّع نطاق مستودع الأسلحة ذات المسار العالي.

تبقى حسابات «حزب الله» مبهمة بدرجة معينة. أظن أنه يتخبّط بسبب دوره كتنظيم لبناني. هو ليس مُلكاً لطهران والحرس الثوري الإيراني بالكامل، رغم العلاقات الوثيقة بين الطرفَين. أظنّ أن «حزب الله» يجب أن يأخذ هذا العامل في الاعتبار.

بدأ التوتر يتصاعد على الحدود. ترتكز المقاربة الراهنة على الانتظار والترقّب حتى الآن. سيتوقّف ردّ «حزب الله» على ما يقرّر الإسرائيليون فعله في غزة. لا أظنّ أن «حزب الله» لن يتدخل إذا بدأت عملية إسرائيلية برية ضخمة في عمق غزة.

إيران تزيد الوضع تعقيداً. أعلنت «حماس» بحد ذاتها أنها تلقّت المساعدة من طهران على قناة «بي بي سي». لكن صرّحت وزارة الخارجية الأميركية من جهتها بأنها لم تجد بعد أدلة تثبت ذلك.

يعتبر الإيرانيون الصراع العربي الإسرائيلي فرصة يمكن استغلالها لفرض نفوذهم وسلطتهم والاستفادة من عملائهم لتحقيق المصالح الإيرانية. لا أعرف حتى الآن حجم التنسيق الحقيقي بين طهران و»حماس». أظنّ أن أهداف الطرفَين تبقى متناغمة في مسائل عدة على الأرجح. لكني لا أصدّق حتى الآن الفكرة القائلة إن طهران تُحرّك «حماس» عن بُعد. ربما أعطى الحرس الثوري الإيراني تعليمات حول التكتيكات المناسبة لحركة «حماس» وزوّدها بالأسلحة. لكنّ حرص «حماس» على التكتّم يفرض عليها أن تحصر عدد من يعرفون بهذه العملية وما يخططون له. كانت إضافة الإيرانيين إلى تلك الخطط لتسهّل حصول اختراق استخباري.

كيف سيتطوّر الدعم الأميركي برأيك فيما يستمرّ سقوط القتلى الفلسطينيين في غزة خلال الأسابيع المقبلة؟ هل سيفرض هذا الوضع نوعاً جديداً من الضغط العام على البيت الأبيض؟

بعد 7 تشرين الأول، أخذت إدارة بايدن في الاعتبار احتمال أن تشهد غزة عمليات لم يسبق أن قام بها الإسرائيليون يوماً. كان الوضع الاعتيادي السائد منذ سنوات يقضي بالتشديد على أهمية أمن إسرائيل. لكن عند النظر إلى بيان الرئيس وتعليقاته العلنية بعد الهجوم، سنلاحظ أنه لم يذكر شيئاً عن ضبط النفس، أو التزام الهدوء، أو إيجاد طريقة للانتشار بطريقة مدروسة، في محاولة منه لتحديد المسار السياسي اللاحق.

في ظل تلاحق القصص المرتبطة بما حصل في جنوب إسرائيل، ستواجه الإدارة الأميركية موقفاً شائكاً جداً وستتخبّط للتوفيق بين الحزب الجمهوري الذي يريد منها أن تدعم إسرائيل بشكلٍ غير مشروط، والحزب الديمقراطي المنقسم، حيث يطالب البعض بمحاسبة المرتكبين وزيادة التكاليف عليهم. من مصلحة الإدارة الأميركية أن تنهي ما يجب إنهاؤه في أسرع وقت ممكن. نحن نعيش في فترة يتعرّض فيها النفوذ الأميركي المتراجع أصلاً لضغوط متزايدة، رغم مقتل تسعة أميركيين وفق التقارير المتداولة، واحتمال وجود رهائن أميركيين ممّن يحملون جنسيتَين. من المتوقّع أن تحذو الإدارة الأميركية حذو إسرائيل، حتى الآن على الأقل.

هل ما زالت فرص عملية السلام قائمة بعد هذا الاعتداء برأيك؟

من الناحية الأخلاقية، لا يمكنني أن أستبعد هذا الاحتمال أو أتخلّى عن الأمل في أن تنتج أي أزمة مخرجاً معيّناً، مهما كانت الظروف خارجة عن السيطرة وعنيفة ودموية.

في الوقت الراهن، أصبح الإسرائيليون والفلسطينيون عالقين في مأزق استراتيجي. هم عالقون في هذا الوضع منذ أن حاولنا في عهد كلينتون الجمع بين رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك، وزعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، وكلينتون، في «كامب ديفيد». أنا شخصياً شاركتُ في تلك الخطة التي كانت غير مدروسة وطُرِحت في وقت غير مناسب رغم نوايا بيل كلينتون الحسنة، فهو أحبّ الإسرائيليين والفلسطينيين كثيراً.

لم يسبق أن توافرت العناصر المفقودة الأربعة التي تضمن إجراء مفاوضات قد تُمهّد لحل دائم وعادل للإسرائيليين والفلسطينيين في آن.

أولاً، تبرز الحاجة إلى قادة مستقلين، ما يعني ألا يكونوا أسرى لنزعاتهم الإيديولوجية وسياساتهم. كانت الظروف تتطلّب هذا العامل في كل مرة شَهِد فيها هذا الصراع تقدّماً معيّناً، بين السادات ومناحيم بيغن، أو بين رابين وعرفات، أو بين رابين والحسين. أنا لا أتكلم على اتفاقيات أبراهام، بل أتكلم على متطلّبات منطقة الصراع والصراعات التي كانت ملطّخة بالدماء والصدمات والجروح التاريخية. نحن نحتاج إلى قادة عظماء، لكن لا وجود لهم اليوم.

ثانياً، تبرز الحاجة إلى الشعور بالملكية. تعكس العبارة الشهيرة، «في تاريخ العالم، لم يقم أحد يوماً بغسل سيارة مستأجرة»، جانباً عميقاً من الفلسفة الشخصية. لا يغسل الناس السيارات المستأجرة لأنهم لا يهتمون إلا بما يملكونه. حصلت جميع المفاوضات تقريباً من دون مشاركة الولايات المتحدة، سواء تلك التي جمعت مصر وإسرائيل، أو إسرائيل والأردن طوال عقود، ولا ننسى اتفاقية أوسلو طبعاً في مراحلها الأولى. نحن لا نملك ذلك الشعور بالملكية الآن. ترتكز الملكية في الأساس على الألم وفرص النجاح.

ثالثاً، تبرز الحاجة إلى وساطة فاعلة. رغم تجاوزات الولايات المتحدة أو عيوبها، بما في ذلك انحيازنا وتفضيلنا طرفاً دون سواه، ما زلنا نتمتع بالإرادة والمهارة اللازمة لتحقيق هذا الهدف. الإرادة عامل بالغ الأهمية. يجب أن تُستعمل مجاملات كثيرة على طاولة المفاوضات ولا بدّ من تقديم منافع بارزة وراء الكواليس. لكن لا مفر من أن تترافق هذه العملية مع جوانب مريرة أيضاً.

رابعاً وأخيراً، يجب أن يتفق المعنيون على قيام دولة نهائية ترضي الإسرائيليين والفلسطينيين في آن. أعرف أن الكثيرين يعتبرون حل الدولتين مقاربة بالية اليوم وتبدو إعادة إحيائه مستحيلة. لكني أعترف حتى الآن، وقد أكون متوهّماً في موقفي، بأن الانفصال عن طريق التفاوض هو الحل الوحيد لمعالجة المشاكل الديمغرافية، والسياسية، والنفسية، والتاريخية، في تلك المساحة المقدّسة المتداخلة من جبل الهيكل في القدس.

قد تكون الكونفدرالية الحل الوحيد لمعالجة هذه المشاكل كلها. يمكن اعتبارها حلاً لإقامة دولتَين أو فصل الطرفَين عن طريق التفاوض، ما يعني أن يبدي كيانان سياسيان استعدادهما للتعايش جنباً إلى جنب في جو من السلام والأمان. قد يبدو هذا المشهد مستحيلاً في الوقت الراهن، وهو كذلك فعلاً، لكنه الحل المطلوب. يجب أن نقيّم الوضع بكل وضوح وصدق ونراجع الدور الأميركي على وجه التحديد. أعترف بأنني أفكر ملياً بهذه المسألة بالذات.


MISS 3