ريتا ابراهيم فريد

شاركن في رحلات عودة المغتربين الى لبنان

مضيفات الطيران: لحظات مؤثّرة وتجربة لا يمكن نسيانها

20 أيار 2020

02 : 00

مع انطلاق المرحلة الثالثة من رحلات عودة المغتربين الى لبنان في ظلّ أزمة انتشار فيروس كورونا، كان لا بدّ من تسليط الضوء على عمل مضيفات الطيران اللواتي لعبن دوراً أساسياً في تأمين العودة الآمنة لهؤلاء المغتربين الى وطنهم الأم. "نداء الوطن" تواصلت مع عدد من المضيفات اللواتي شاركن في هذه الرحلات، حيث تحدّثن عن تجربتهنّ في هذه المرحلة، وكيف واجهن الخوف من الخطر في التواجد على متن طائرة قد يكون من بين ركّابها مصابون، وكيف اتّبعن أساليب الوقاية.

آية الحسين:

رأيتُ في عيون اللبنانيين شوقهم الى العودة


شاركت المضيفة آية الحسين في الرحلة الأولى التي أقلّت اللبنانيين من الرياض. حين اتصلوا بها من الشركة قبل الرحلة، فرحت كثيراً في البداية. لكنها في الوقت نفسه كانت خائفة بسبب صعوبة الوضع. وعلى الرغم من ذلك لم تتردّد، ولم تفكّر في أن ترفض المشاركة. وبالنسبة للخطر، قالت: "الخطر يرافقنا دائماً في حياتنا الطبيعية بمجرّد أن نخرج من المنزل. لكنّ إيماني بالله كبير جداً، وما كتبه الله سيحدث في النهاية"، تقول آية، وتضيف أن ردّة فعل أهلها في البداية كانت مشابهة لردّة فعلها، فشعرت أنهم خائفون رغم محاولتهم إخفاء الأمر عنها. وأشارت الى أنّه تمّ اتخاذ الكثير من الإجراءات الوقائية لناحية جلوس الركاب على متن الطائرة على مسافة آمنة. وكان ممنوع دخول أيّ راكب لا يرتدي الكمامة والقفازات. كما رافقهم في الرحلة طبيبان وعنصر من الأمن العام اللبناني، لقياس حرارة الراكب قبل دخوله الى الطائرة، ولتعبئة استمارات تحتوي على معلومات عن الركّاب. وتابعت: "حتى أننا لم نقدّم الطعام والشراب الذي كنا نقدّمه عادة. وكنا نرتدي الملابس الواقية. وأنا شخصياً أخذتُ معي بعض المواد المعقّمة". وأردفت: "عندما عدتُ اتّصل بي عدد كبير من الناس، وانتشرت صوري على مواقع التواصل الإجتماعي. وأعرب الجميع عن سعادتهم وفخرهم بما قمتُ به. شعرتُ أن الناس بحاجة الى نظرة أمل وابتسامة، وأن يشعروا أن أحداً ما يقف الى جانبهم في هذه الظروف الصعبة".


ولفتت آية الى أنّ غالبية الركاب كانوا يقدّمون شكرهم للمضيفات، ويحملون هاتفهم ليلتقطوا الصور لهن. "كنتُ سعيدة جداً بكلّ الكلام اللطيف الذي سمعتُه. والأهمّ أنني رأيتُ في عيون اللبنانيين رغبتهم في العودة الى بلدهم، التي اختلطت مع نظرات الخوف والإشتياق".




زينب القادري:

والدتي بكت وكأني ذاهبة الى الحرب


رغم أنّ الجميع نصحها بعدم المشاركة، لكنّها كانت سعيدة جداً عندما اتصلت بها الإدارة وطلبت منها المشاركة في رحلات عودة المغتربين الى لبنان، فلم تتردّد أبداً. المضيفة زينب القادري تتحدّث بتأثّر عن رد فعل أهلها. والدها لم يعارض، لكنّه طلب منها أن تكون حريصة وأن تتّخذ كل الإحتياطات اللازمة. لكنّ والدتها بكت كثيراً، وكأنّ ابنتها متوجّهة الى الحرب، وتوسّلتها ألّا تذهب. ولأنّ أهلها كبار في السنّ، وفيروس كورونا قد يكون خطيراً عليهم، عزلت زينب نفسها بعيداً عنهم لمدّة أربعة عشرة يوماً. وبعد مرور هذه الفترة، ذهبت لزيارتهم وكان اللقاء مؤثراً جداً، ووالدتها لم تتوقّف عن البكاء.


عندما صعدت على متن الطائرة وشاهدت بأمّ العين التدابير المتّخذة «شعرتُ أنني في بلد مهمّ جداً. فمن رجال الأمن العام الى الأطباء الى الملابس الواقية، كلّ شيء كان ممتازاً لحماية الجميع من ركاب وموظفي الشركة»، تؤكّد زينب. لكنّها رغم ذلك كانت ترى الخوف في عيون الركّاب. حتّى أنّ إحدى السيدات دخلت الى المرحاض وكانت ترتجف كثيراً، وصرّحت لها أنّ أعصابها متعبة جداً، وأنها لا تستطيع التحمّل أكثر. وتشير زينب الى أنّ عبارة «يعطيكن ألف عافية» لم تفارق شفاه الركاب، وتوضح: «شكرونا لأننا نعيدهم الى وطنهم بطريقة سليمة وآمنة». وعن هذه التجربة، لفتت زينب الى أنّ المشاعر اختلطت فيها بين الخوف في البداية، ثم سيطر شعور الفرح والفخر. وختمت بالقول: «هذه التجربة رغم حلاوتها، لكن لا بدّ أن نقول عنها «تنذكر وما تنعاد». على أمل ألا نمرّ مجدداً بظروف مشابهة».




نور سعد:

الكلام الذي كنا نسمعه من الركاب مؤثّر جداً

عندما باشرت شركة «طيران الشرق الأوسط» بتسيير رحلات عودة المغتربين الى لبنان، تمنّت المضيفة نور سعد في البداية ألا يتصلوا بها. فقبل إغلاق المطار كانت على متن الرحلة القادمة من مدريد، والتي تبيّن لاحقاً أنّ إحدى الراكبات على متنها مصابة بكورونا. الأمر الذي تسبّب لها ولعائلتها بقلق كبير، حتى صدرت نتيجة الفحص التي أتت سلبيّة.

لكن بعد أن شاهدت الرحلات عبر وسائل الإعلام، تساءلت: «لماذا لستُ من ضمن الفريق؟ لماذا لا أشارك في هذا العمل النبيل؟» وبعد أيّام اتصلوا بها من الإدارة وأخبروها أنها ستكون على متن رحلة الإجلاء من الدوحة. لم تتردّد في القبول أبداً. حتى أن الإدارة تفاجأت بحماسها الكبير للمشاركة. وتشرح نور كيف صُدمت بما شاهدته لناحية الإجراءات التي اتخذتها الشركة على متن الطائرة وفي المطار، مؤكّدة أنّ الإهتمام بسلامة فريق العمل وسلامة الركاب كان كبيراً جداً.

حين عادوا من هذه الرحلة، أبلغتهم الشركة أنه كان على متن الطائرة حالة كورونا إيجابية. فطُلب من الجميع التوجّه لإجراء الفحص، ما تسبب للمضيفات ببعض القلق والتوتّر. وتوضح: «لكنني لم أخف هذه المرّة. لأنّ الشركة كانت قد استخدمت أقصى درجات الحماية والوقاية من خلال اللباس الخاص الذي ارتديناه، وهذا الأمر طمأنني ومنحني الثقة بأنّ أحداً منّا لن يكون مصاباً بالفيروس».

نور التي تعبّر عن سعادتها بهذه التجربة التي لن تنسى تفاصيلها، تتحدّث عن معاملة الركاب للمضيفات، وتقول: «في الرحلات الطبيعية كانت العلاقة بين الراكب والمضيفة عاديّة. لكن في هذه الرحلات كنت أشعر أنني سأغرق بالدموع بمجرد دخول الركاب الى الطائرة، حيث أنهم لم يتوقّفوا عن الدعاء لنا بالقوة والصحة. والكلام الذي كنا نسمعه من الناس كان مؤثراً جداً».





صفاء مراد:

أفتخر بقيامي بهذه الخطوة

في ظلّ انتشار الأخبار عن صعوبة وضع أزمة كورونا في أوروبا وأميركا، شعرت المضيفة صفاء مراد بالخوف في البداية. كما أن أهلها طلبوا منها عدم المشاركة في رحلات عودة المغتربين، وفكّرت أن تتقدّم بطلب عطلة غير مدفوعة. لكن بعد أن فكّروا مليّاً في الموضوع، وجدوا أنّه عمل إنساني بحت، فشجّعوها على المشاركة فيه، خاصة أنّ الإجراءات الوقائية كانت على مستوى عالٍ جداً، وهي بدورها تحمّست.

وأشارت صفاء الى أنّ الإجراءات كانت مشدّدة، ووزير الصحة أشرف بنفسه على الموضوع. كما أنّ الوزارة قدّمت للمضيفات اللباس الخاص المعروف بالـPPE. وشركة طيران الشرق الأوسط وضعت مواد التعقيم والكمامات والقفازات في تصرّفهنّ وفي تصرّف الركاب وكل ما يلزم لحمايتهم. ولفتت الى أنّ هذه الإجراءات الوقائيّة المشدّدة لعبت دورها في التأثير على العامل النفسي، حيث شعرت حين كانت على متن الطائرة أنها تعاني من عوارض كورونا، وطبعاً هذا لم يحصل فقد كان الأمر نفسياً ليس إلاّ.

من ناحية أخرى، أشارت صفاء الى أنّ طريقة تحدّث الركاب مع أهلهم لم تكن عادية، بل طغى جوّ التوتّر والهلع. وتضيف: «كان تعاطي الركاب معنا لطيفاً جداً وإنسانيّاً. وجميعنا شعرنا بالجوّ الإيجابي تجاهنا. الركاب كانوا يرسلون لنا القبلات عن بُعد، ويصلّون لنا مع ترداد عبارات الإطراء والشكر». صفاء التي تفتخر بقيامها بهذه الخطوة، تؤكّد أنّها لن تتردّد في تكرارها مرة أخرى. وتعتبر هذه التجربة إنسانيّة بالدرجة الأولى، حيث استطاعت في هذه الظروف الصعبة أن تساعد الناس وتقدّم شيئاً لوطنها وللشركة التي تعمل فيها في الوقت نفسه.






MISS 3