إناث الحيوانات تُعلّم بعضها كيفية اختيار ذكر غير مألوف

02 : 00

تكشف دراسة جديدة أن إناث الحيوانات تتعلم من إناث أخرى أن تفضّل الذكور المميزة عند اختيار الشريك. تشمل عملية الانتقاء الجنسي ظهور خصائص مثل ذيل الطاووس الطويل والمزخرف. تطورت هذه المزايا لزيادة فرص الحيوان بجذب شريك له بدل زيادة قدرته على الصمود في بيئته. حتى أن الذيل الثقيل والملوّن قد يصبح عائقاً عند محاولة الهرب من حيوان مفترس.



بشكل عام، يتنافس الذكور للتقرب من الإناث، إذ تكون مشاركة الذكر في الإنجاب (عبر تقديم الحيوانات المنوية حصراً) أقل أهمية من الجهد الذي تبذله الأنثى لإنتاج البويضات التي تكون أكبر من المني، ولتجاوز فترة الحمل، وتربية الصغار على الأرجح.

تتحمل الأنثى إذاً أكبر الأعباء عند التزاوج مع ذكر غير مناسب، إذ يستطيع الذكر أن ينتقل إلى أنثى أخرى سريعاً. هذا الوضع يفسّر ظهور وفرة من الصفات الذكورية المنتقاة جنسياً في عالم الحيوان، إلى جانب مجموعة من الإناث الانتقائية.

تاريخياً، ركّز العلماء على التفاعلات بين الذكور وكانوا يتجاهلون في معظم الأوقات تأثير الإناث على مسار التطور. لكن بدأ الباحثون الآن يتنبهون إلى تأثير الأنثى المدهش. أجرت جامعة ولاية فلوريدا في الولايات المتحدة الدراسة الجديدة التي طوّرت نموذجاً رياضياً لمحاولة تفسير الثغرات في نظريات الانتقاء الجنسي.

في المقام الأول، يجب أن نفهم استنتاجات البحث حول ما يجعل الذكر جذاباً في عالم الحيوان. في ما يخص المظهر الخارجي، يبدو أن الذكر الذي يحمل أكبر الخدود أو الشفاه هو الأكثر جاذبية بالنسبة إلى أنثى إنسان الغاب، بينما تنجذب إناث أسماك السيف إلى الذكر الذي يحمل أطول «السيوف».

المظهر ليس العامل المؤثر الوحيد

لا تختار الأنثى الذكر بناءً على شكله الخارجي فحسب، بل إن معظم إناث الليمور مثلاً تنجذب إلى الذكر ذي الرائحة القوية والذيل الدائري. تكثر الأمثلة أيضاً على أهمية خصائص أكثر تعقيداً، منها أغاني طيور الجنّة وحركات رقصها، أو الأنماط الدائرية التي يقوم بها ذكور الأسماك المنتفخة اليابانية لاستمالة الإناث.

لكن لا يتنافس الذكور دوماً للفت أنظار الإناث. يختار ذكور النوضريات (الذباب ذوات العينين الساقية) الإناث استناداً إلى المسافة الفاصلة بين عينيها، وتُعتبر الأنثى أكثر جاذبية حين تزيد تلك المسافة بين العيون.

تشمل النظريات الراهنة حول الانتقاء الجنسي حيوانات تختار شركاءها بفضل المؤشرات التي تثبت أنها تحمل جينات جيدة، مثل الذيل الطويل والمزخرف. يثبت الذكر الفحل القوي أنه قادر على إنتاج نسل سليم.

في المقابل، تتمتع الحيوانات التي تحمل صفة سلبية، لكنها تنجح في الصمود رغم كل شيء، بجودة وراثية عالية. تبرز أيضاً نظريات التحيّز الحسّي حيث تكون خيارات التزاوج المفضلة نتاجاً للانتقاء الطبيعي للحواس.

تنجذب إناث ضفادع التونغارا مثلاً إلى الترددات المنخفضة من الأصوات نظراً إلى نطاق سمعها، وتتزامن هذه النزعة مع تفضيلها للصيحات منخفضة التردد التي يصدرها الذكور الأكبر حجماً.

لكن لا توضح هذه النظريات كلها السبب الكامن وراء تبدّل هذه الصفات لدى ذكور من فصيلة واحدة، أو اختلاف أذواق الإناث مع مرور الوقت أو ضمن الفصيلة نفسها.

جاذبية جنسية نادرة


حللت الدراسة الجديدة مدى ارتباط خيارات الإناث بنزعتها إلى مشاهدة إناث أكثر خبرة منها وهي تختار شركاءها. من المعروف أن الحيوانات قد تتعلم من مشاهدة بعضها البعض. يتعلم صغار الغربان مثلاً كيفية صنع أدوات العصا عبر مشاهدة كبارها. تبيّن أيضاً أن التعلم يؤثر على اختيار الشريك، إذ تميل الأنثى التي تراقب إناثاً أخرى مع ذكر إلى اختيار ذلك الذكر نفسه أو ذكراً آخر يحمل صفات مشابهة.

إستند الباحثون في نموذجهم إلى فرضية الجاذبية المستخلصة، حيث تقارن إناث تفتقر إلى الخبرة صفات الذكر الذي تختاره أنثى أكثر خبرة منها بصفات جميع الذكور.

إذا شاهدت إحدى الإناث أنثى أخرى لها خبرة واسعة مع ذكر لونه ساطع مثلاً، قد تبحث عن ذكر بالمواصفات نفسها. نتيجةً لذلك، قد يصبح اللون الفاتح أكثر شيوعاً، فتتراجع الاختلافات في أذواق الإناث. لكن لا توضح فرضية الجاذبية المستخلصة حتى الآن سبب الاختلافات الوافرة بين الذكور.

إنها أول دراسة تعتبر الإناث معرّضة لارتكاب الأخطاء حين تحاول التكيف مع إناث أخرى بدل افتراض أنها تجيد قراءة الأفكار.

في أحد النماذج النظرية التي استعملها الباحثون، فضّلت الإناث التي تتمتع بخبرة واسعة الذكور مع الريش الأكثر احمراراً. في هذه الحالة، تعتبر الأنثى التي تفتقر إلى الخبرة الذيل الطويل لدى هذا الذكر العنصر الذي يجعله أكثر جاذبية من الآخرين.

إستعمل الباحثون تجربة محاكاة محوسبة ترتكز على نموذج رياضي من السكان، حيث يتزاوج الذكور مع عدد من الإناث. شمل ذلك النموذج ذكوراً ذوات صفتَين بارزتَين وعاملَين متغيرَين فقط (لون ساطع أو باهت، وذيل طويل أو قصير).

بعدما اختارت الأنثى الذكور استناداً إلى الصفة التي اختارتها الإناث الأكثر خبرة، أصبحت تلك الصفات ثابتة في هذه المجموعة السكانية ولم يبرز أي اختلاف بينها. وعندما اختارت الإناث ذكراً أكثر تميّزاً، أصبحت الميزة التي كانت نادرة أكثر شيوعاً، وبالتالي أقل جاذبية.

نتيجةً لذلك، تغيرت خيارات الإناث المفضلة مع مرور الوقت ولم تعد تُركّز على صفة جذابة واحدة وتعتبرها أهم من الصفات الأخرى.

لن نعرف إلى أي حد تتكرر العملية نفسها في الحياة الواقعية قبل أن يجري العلماء دراسات ميدانية. لكنها أول نظرية ترتبط بالانتقاء الجنسي وتشرح كيفية الحفاظ على الاختلافات وسط الجماعات.


MISS 3