جو حمورة

تركيا الخجولة... غزة قضية "عادية"

16 تشرين الأول 2023

02 : 00

أردوغان متحدّثاً خلال اجتماع لحزبه الحاكم في أنقرة الأربعاء الماضي (أ ف ب)

بدا أول خطاب للرئيس الأميركي بعد عملية حركة "حماس" الهجومية مهماً جداً. أعطى جو بايدن دعماً كاملاً للحكومة الإسرائيلية لترد على "المجزرة" التي عاشتها صباح السابع من تشرين الأول، فيما كانت الجملة المفتاحية في خطابه هي تلك التي قال فيها: "سنعاقب أي دولة تتدخل في مجريات الأحداث بين إسرائيل ومنظمة حماس".

على غير العادة، أُخِذ كلام الرئيس الأميركي على محمل الجدّ، فكانت بيانات دول العالم التي تلت خطابه "متواضعة" ودانت العنف "الحمساوي" ضد المدنيين. حتى تركيا، الدولة الداعمة بشكل دائم لقطاع غزة، والآوية لعدد من قياديي "حماس" وبعض وسائلها الإعلامية، غابت عن السمع وأصدرت بياناً عادياً دانت فيه العنف ودعت إسرائيل و"حماس" للتروي.

الخجل التركي الظاهر في الوقوف في صف حركة "حماس" وغزة مردّه إلى أمور عدّة. الأوّل مرتبط بتحسّن بسيط ومضطرد للعلاقة بين أنقرة من جهة وكلّ من القاهرة والرياض من جهة أخرى، خصوصاً أن عملية "حماس" الهجومية بدت وكأنها "حركة إيرانية" لفرملة عملية التطبيع بين الرياض وتل أبيب، فيما تريد تركيا وصل ما انقطع مع العاصمتين العربيتين، ولها مصلحة مهمة وحيوية في ذلك.

أما الثاني، فيبدو عتباً تركياً على "حماس" نفسها، والتي على الأرجح لم تضعها بصورة العملية العسكرية المباغتة على المستوطنات القريبة من قطاع غزة. ومعرفة تركيا، منذ زمن، أن كلّ الدعم المالي واللوجستي والإعلامي السابق، لم يُفد بنقل ولاء "حماس" من الحضن الإيراني إلى الحضن التركي.

على الرغم من سخاء الدعم التركي لقطاع غزة على مرّ السنوات الماضية، والمقدّر ببضعة مئات ملايين من الدولارات، لم يُفد استثمار أنقرة في القضية الفلسطينية بإعطائها دوراً فاعلاً أو مميّزاً فيها.

تقف تركيا اليوم في صف المتفرّج وغير القادر فعليّاً على ممارسة دور إقليمي في النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، بل تكتفي بإصدار البيانات العادية وإرسال بعض المساعدات الغذائية والطبية إلى قطاع غزة، من دون قدرة على إيصالها إلى مقصدها إن لم توافق إسرائيل على ذلك، وهي موافقة لا يبدو أنها ستأتي في أي وقت قريب.

المحاولة التركية البسيطة لـ"كسر الحصار" بدت في الإعلام التركي أقرب إلى محاولة لكسب تعاطف محلّي، والقول للشعب التركي إن حكومته تهتم بما يجري حولها وفي العالم الإسلامي، فيما كانت التظاهرات المندّدة بإسرائيل في إسطنبول وأنقرة وغيرها من المدن التركية يوم الجمعة الفائت، قليلة العدد، ولم تلقَ دعماً حكوميّاً ولا تغطية إعلامية محلّية جدّية أو مهمة.

إنتهى الزمن الذي كانت تضع فيه أنقرة القضية الفلسطينية أولوية لها، إنما باتت، بحكم الموقف الأميركي، كأي منطقة من العالم، حيث تتعامل تركيا مع غزة وكأنها مكان بعيد وغريب و"عادي"، فتُرسل له بعض المعلّبات الغذائية والأدوية والبطانيات، من دون أن تعلب دوراً سياسياً رائداً فيه. هذا الأمر يشي برؤية تركيا للأزمة القائمة الآن بكونها أزمة إنسانية تفترض المساعدات، وليست بالأزمة السياسية التي تفترض تقديم المبادرات الديبلوماسية والحلول الأمنية والعسكرية والسياسية لها.

الغياب التركي عن القضية الفلسطينية بات ملموساً وأكثر حضوراً في السنوات القليلة الماضية، فيما دول أخرى، كالولايات المتحدة وقطر والسعودية وإيران ومصر، تعيد وتؤكد حضورها الدائم والفاعل في أهم وأقدم قضية من قضايا الشرق الأوسط الكثيرة.


MISS 3