إيان لوستيك

الإنتقام ليس سياسة ناجعة

16 تشرين الأول 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

الدمار الناجم عن القصف الجوي الإسرائيلي على غزة | 11 تشرين الأوّل 2023

لا يمكن التهرب من رؤية أو سماع الناس من جميع الأعمار وهم يتعرضون للترهيب أو الرصاص أو الاحتجاز، منهم أطفال، ومراهقون، وكبار في السن، وأصحاب احتياجات خاصة بعد هجوم «حماس» و»الجهاد الإسلامي» الأخير وتصاعد وتيرة الاحداث في غزة .

تعكس إدانة الرئيس الأميركي جو بايدن لمآسي الضحايا الإسرائيليين وإدانته القوية للهجوم وتشبيهه بممارسات «الدولة الإسلامية» عواطفه لكنّ التعاطف ليس مرادفاً للكفاءة السياسية.

لمنع تكرار الوحشية التي استُعمِلت بحق الأبرياء وتجنّب معاقبة الفلسطينيين الأبرياء، يجب ألا نتكل على مشاعر السخط بكل بساطة، بل يُفترض أن نُحدد أسباب الاعتداء ونعمل على تبديدها.

لا يعني ذلك التركيز على مجموعة معينة من الحسابات، والقرارات، وعمليات الانتشار داخل غزة، كتلك التي أسفرت عن هذه الحملة الدموية، بل يُفترض أن يصبّ التركيز على مظاهر القمع المؤسسي، والكراهية، ومشاعر الخوف التي تجتاح الركيزة الحقيقية لأعمال العنف. قد يتعلق محرّك هذه الأحداث بالبؤس غير المحدود، وحملات الاعتقال، وصدمات سكان المنطقة التي يسمّيها الإسرائيليون «القطاع الساحلي».

ركّزت التغطية الإعلامية لاعتداءات 7 تشرين الأول على طابعها الوحشي وتشابهها الغريب مع الأحداث التي وقعت منذ نصف قرن على طول قناة السويس وفي مرتفعات الجولان، علماً أن تلك الأحداث حطّمت أي خرافات شائعة عن انتشار الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية في كل مكان واحترافية الجيش الإسرائيلي وقدرته على فرض سيطرة شاملة. لكن تبدو صدمة الفشل هذه المرة مقلقة بدرجة غير مسبوقة لأن الضربة الأخيرة استهدفت المدنيين في الأراضي الإسرائيلية، بدل استهداف الوحدات العسكرية المتمركزة داخل الأراضي المحتلة.

اليوم، لا تتعلق المجازفة الحقيقية باحتمال أن يواجه جيش الدفاع الإسرائيلي الدول العربية العدوّة مباشرةً أو يستفيد من إنشاء مناطق منزوعة السلاح بينها، بل يرتبط التحدي الفعلي بقدرة إسرائيل على عيش حياة «طبيعية»، على شكل «فيلا» يهودية صهيونية تحميها أسوار الإسمنت والفولاذ وتعيش في خوف دائم من أدغال الشرق الأوسط المحيطة بها.

إذا أردنا أن نحدد أسباب الاعتداء الوحشي المستجد، وهو هجوم قد يتكرر لاحقاً، يجب أن نغيّر المراجع التي نستعملها.

لا ينجم تعصّب المسلحين الذين نفذوا الهجوم وارتكبوا جرائم حرب أو أثبتوا تعطشهم للدماء (ولا حسابات قادتهم، وتكتيكاتهم، ووحشيتهم، ومهاراتهم في تجنيد العناصر، واستعدادهم للموت) عن شجاعة خاصة أو شرّ فطري وسط الفلسطينيين والمسلمين.

بل إن ما يحصل هو وضع طبيعي عندما يتم التعامل مع أعداد هائلة من البشر بالطريقة التي يُعامَل بها 2.3 مليون إنسان من سكان قطاع غزة منذ عقود. في الوقت نفسه، لا يمكن تفسير هذا الحدث بقلة كفاءة الحكومة الإسرائيلية وجهازها الأمني، وبغطرستهما، وإهمالهما الواضح. لا مفر من تصدّع أي نظام مُصمّم لاحتواء ضغوط متفجرة ومتزايدة بعد فترة من الزمن.

لو بدأت قصة هذا الاعتداء في صباح يوم السبت، 7 تشرين الأول، كان من الأسهل اعتباره نسخة من هجوم 11 أيلول حيث يتعرض الضحايا الأبرياء لأعمال عنف همجية وغير مبررة. تتمحور الجهود الأساسية في هذه الحالة حول محاولة تجاوز صدمة تلك الضربة المدمّرة ثم هزم المعتدين ومعاقبتهم باسم الإنسانية.

لكن إذا بدأت القصة في العام 1948، حين كان أجداد اللاجئين من غزة يعيشون في المناطق التي عاد إليها أحفادهم المسلحون عن طريق العنف، لا مفر من تغيّر العبرة من هذه القصة والمتطلبات التي تسمح ببلوغ نهائية مُرضِية.

يعني هذا الإطار الزمني العام أن حركتَي «حماس» و»الجهاد الإسلامي» لم تعلنا الحرب، بل إنهما أطلقتا حركة تمرّد في السجن الذي يعيشون فيه. لا بد من الاطلاع على بعض الأحداث التاريخية لتقبّل هذه الحقيقة.

قبل إعلان دولة إسرائيل في أيار 1948، كانت مساحات الأراضي المحيطة بغزة تشمل عشرات البلدات والقرى العربية الفلسطينية، أكبرها بلدة المجدل، ما يشير اليوم إلى مدينة عسقلان التي أصبحت يهودية بالكامل.

عندما صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار تقسيم فلسطين إلى دولة يهودية ودولة عربية فلسطينية، في 29 تشرين الثاني 1947، كان يُفترض أن تكون هذه المنطقة كلها (بما في ذلك غزة، والمناطق المحيطة بها، وأجزاء من صحراء النقب) جزءاً من الدولة العربية. لكن فشلت الأمم المتحدة في تأمين الأموال أو القوات العسكرية أو المسؤولين لتنفيذ قرارها. كان البريطانيون قد حكموا هذه الأرض لأكثر من 20 سنة، لكنهم عادوا وتركوا فلسطين وهي غارقة في الفوضى، فسحبوا قواتهم من المدن تباعاً. في غضون ذلك، غرق اليهود والعرب في حرب أهلية وحشية لتحديد المناطق التي تقع تحت الحُكم اليهودي أو العربي.

بعد اندلاع الحرب الأهلية، واستمرار المعارك بين إسرائيل وقوات التدخل السريع العربية التي غزت فلسطين في أيار 1948، وتواصل الحملات الإسرائيلية المنهجية الرامية إلى طرد المدنيين العرب من الأراضي التي كان يُفترض أن تنتمي إلى الدولة العربية، تَهجّر 750 ألف فلسطيني، ووجد 200 ألف منهم ملجأً لهم في منطقة ضيقة من فلسطين الساحلية التي تحتلها القوات المصرية، أو ما يُعرَف اليوم بقطاع غزة. سرعان ما تحوّل هؤلاء المهجرون إلى لاجئين بسبب رفض إسرائيل عودة من هربوا أو طُرِدوا من منازلهم وإقدامها لاحقاً على تدمير بلداتهم وأحيائهم.

خضع هذا القطاع للحُكم المصري بين هدنة 1949 والعام 1956، ثم حكمته إسرائيل بين تشرين الأول 1956 وآذار 1957، ثم مصر مجدداً حتى حزيران 1967، ثم إسرائيل حتى هذا اليوم. نتيجةً لذلك، طغى اللاجئون على سكان القطاع الأصليين سريعاً. أدت المقاومة الشرسة ضد الاحتلال الإسرائيلي في بداية السبعينات إلى فرض سياسات طبّقها أرييل شارون الذي أصبح لاحقاً رئيس الوزراء الإسرائيلي، وسرعان ما دمّر شبكة الطرقات في الأحياء المكتظة بالسكان، وقتل مئات الفلسطينيين، وسحق المنظمات الفدائية الفلسطينية المتطرفة التي رسّخت مكانتها في مخيمات اللاجئين.

اعتبرت السلطات الإسرائيلية الهوية الإسلامية الدينية أقل خطورة من القومية الفلسطينية، فعرضت دعمها على فرع «الإخوان المسلمين» في غزة، وسرعان ما تمكنت جماعة «الإخوان» من إنشاء حركة «حماس» (تُعرَف رسمياً باسم «حركة المقاومة الإسلامية»)، بحلول مرحلة الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي بدأت في أواخر العام 1987، لمنافسة منظمة التحرير الفلسطينية في حملات النضال من أجل فلسطين.

قد يكون دور إسرائيل في خلق عدوّتها اللدودة غريباً، لكنه لن يبدو كذلك عند تحليل التعليقات العلنية التي انتشرت قبل هجوم تشرين الأول من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير المال بتسلئيل سموتريتش الذي كان مسؤولاً عن معظم شؤون المستوطنين في الضفة الغربية، فقد قيل إن السلطة الفلسطينية التي تطمح إلى بناء دولة قومية فلسطينية إلى جانب إسرائيل يُفترض أن تُعتبر عدوة البلد أكثر من «حماس» التي اعتبروها مفيدة بدرجة معينة، نظراً إلى التهديد الذي تطرحه على المكانة السياسية للسلطة الفلسطينية.

عكست اتفاقية أوسلو خلال التسعينات استراتيجية جديدة للحكومة الإسرائيلية، وهي تقضي بالاتكال على خنوع قادة منظمة التحرير الفلسطينية وجشعهم، بدل الاتكال على الجمود النسبي الذي ربطته الحكومات السابقة بجماعة «الإخوان المسلمين» وكانت مخطئة في تقييمها. سُمِح لياسر عرفات وقادة منظمة التحرير الفلسطينية بالعودة إلى فلسطين من المنفى في تونس، وكان هؤلاء يعرفون أن دورهم يقضي بمنع أي عدائية شعبية تجاه إسرائيل مقابل قيام دولة، أو دويلة، يمكنهم أن يحكموها. لكن قضت إسرائيل على تلك الفكرة حين رفضت إعطاء ما يكفي من السلطة إلى عرفات وحكومته «الموقتة» لتمكينهم من كسب الشرعية وسط الفلسطينيين.

منذ التوقيع على اتفاقية أوسلو، أدى استمرار توسّع المستوطنات في الضفة الغربية، واغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين، وتصاعد أعمال العنف المرتبطة بالانتفاضة الثانية (بدأت في العام 2000)، إلى تدمير فرص تطبيق حل الدولتين القائم على مفاوضات جدّية، علماً أن هذا الحل كان مكروهاً في البداية لكنه عاد وحصد دعماً واسعاً، لكنه لم يعد ممكناً اليوم. هو يرتكز على قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة لمنح الفلسطينيين القدرة الكافية على تحقيق طموحاتهم، ما يضمن إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي.

في العامَين 2002 و2003، حاصرت حكومة شارون مقر عرفات في رام الله ثم «نقلته» إلى فرنسا حيث توفي في السنة اللاحقة.

وفي العام 2005، كانت إسرائيل تأمل في التخلص من المشاكل المرافقة لتحمّل مسؤولية شريحة واسعة وفقيرة وعدائية من اللاجئين في غزة وعزلها عن الضفة الغربية، فقررت سحب جيشها و9 آلاف مستوطن من قطاع غزة، ثم رفضت التفاوض مع الممثلين الفلسطينيين حول أي ترتيبات لإقامة علاقات معينة بين القطاع وإسرائيل بعد الانسحاب.

عندما فازت حركة «حماس» لاحقاً في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في العام 2006، ردّت إسرائيل، بدعمٍ من الولايات المتحدة، عبر إطلاق محاولة انقلاب فاشلة لاستبدالها وجعل حركة «فتح» تحكم غزة بالقوة. في المرحلة اللاحقة، هزمت «حماس» قوات «فتح» في غزة وضمنت هيمنتها السياسية هناك، ما دفع الإسرائيليين إلى عزل سكان غزة عن إسرائيل، حتى أن بعض الخرائط الإسرائيلية الرسمية امتنعت عن ذكر غزة خارج حدودها الدولية، ولا تزال تمتنع عن فعل ذلك حتى الآن.

نتيجةً لذلك، تحوّلت غزة إلى سجن متعطش للموارد ومكتظ بالسكان، واضطرت للاتكال على إسرائيل لتلقي إمدادات الطعام، والمياه، والكهرباء، والقيام بتبادلات تجارية، وتوصيل البريد، والصيد، وتلقي الرعاية الطبية، أو التواصل مع العالم الخارجي. بعد تلك المرحلة، بدأت إسرائيل تتعامل مع حركة «حماس» كمنظمة أسيرة ومسؤولة عن منع السجناء من إيذاء إسرائيل أو الإسرائيليين، علماً أن جميع هؤلاء «السجناء» لم يخضعوا للمحاكمة لكن حُكِم عليهم جميعاً بالسجن المؤبّد.

ترسّخت هذه العلاقة عبر توغلات انتقامية نفّذها الجيش الإسرائيلي في القطاع: طوال 23 يوماً بين العامين 2008 و2009، وخمسة أيام في العام 2012، و50 يوماً في العام 2014، و15 يوماً في العام 2021، وخلال عملية قتلت أكثر من 6400 فلسطيني بين العام 2008 وأيلول 2023 وترافقت مع أضرار بمليارات الدولارات. لكن خلال الفترات الفاصلة بين هذه العمليات التي تدخل في خانة استراتيجية «جزّ العشب»، تعاونت الحكومات الإسرائيلية مع «حماس» بما يكفي لمنع وقوع كوارث إنسانية، ومتابعة دفع رواتب البيروقراطيين في «حماس»، وقمع جهود «الدولة الإسلامية» و»الجهاد الإسلامي» لإلحاق أكبر أضرار ممكنة بإسرائيل.

وكما يحصل في جميع السجون، تُميّز السلطات الإصلاحية بين السجناء الذين يُعتبرون مجرمين يستحقون العقاب، والمنظمة التي تمثّل هؤلاء السجناء ويمكنها أن تصبح شريكة مفيدة وجديرة بالثقة. وكما يحصل في أي سجن، يختار الحراس الأشخاص «الأمناء» وسط السجناء لمكافأتهم وتحويلهم إلى مخبرين. هذا ما يفسّر مثلاً وجود أعداد صغيرة لكن متنوعة من الفلسطينيين الذين يخضعون لمراقبة مشددة في غزة ويُسمَح لهم بمغادرة المنطقة للعمل وتلقي الرواتب في إسرائيل، إذا أثبتوا «سلوكهم الحسن» في ذلك السجن الكبير. هم يعودون إلى سجنهم كل ليلة.

قد تفسّر التعليقات التي أدلى بها الوزراء الإسرائيليون سابقاً، حيث فضّلوا «حماس» على السلطة الفلسطينية، عدم اتكال أي حكومة إسرائيلية على «حماس» بشكلٍ كامل أو صريح، باعتبارها أداة فاعلة لحُكم غزة، بقدر ما فعلت حكومات نتنياهو الأخيرة. يبدو أن نتنياهو اقتنع بأن «حماس» روّضت نفسها بعدما تأكد من قدرة نظام «القبة الحديدية» للدفاعات المضادة للصواريخ والحواجز المتطورة والمكلفة تحت الأرض على منع «حماس» من استهداف إسرائيل عبر إطلاق صواريخ فوق أسوار السجن أو نقلها في الأنفاق تحت الأرض.




فلسطينيون يفرون عبر البحر في عكا خلال النكبة عام 1948 بعد أن طردتهم القوات الإسرائيلية



 



في آذار 2019، ذكرت صحيفة «هآرتس» أن نتنياهو أخبر أعضاء حزب «الليكود» في الكنيست أن «كل من يريد منع قيام دولة فلسطينية يجب أن يدعم تقوية «حماس» ونقل الأموال إليها. إنه جزء من استراتيجيتنا: أن نعزل الفلسطينيين في غزة عن الفلسطينيين في الضفة الغربية».

كانت سياسة نتنياهو تقضي بالاتكال على «حماس» لمنع انفجار الوضع في سجن غزة، ما يسمح لحكومته بتركيز كامل جهودها على تطوير المستوطنات في الضفة الغربية، ودعم إصلاح قضائي يسمح بضم الأراضي من دون منح الفلسطينيين أي حقوق مدنية أو سياسية، ومداهمة المدن الفلسطينية ومخيمات اللاجئين لاعتقال أو قتل المسلحين الذين تعجز السلطات الفلسطينية عن السيطرة عليهم. فيما كان حراس المنطقة منشغلين بمسائل أخرى، وضعت المنظمات الأسيرة في غزة خططها الخفية والحذرة لإطلاق ثورة كبرى.

لا بد من مقاربة الأحداث الراهنة بهذه الطريقة لتجنب أي ثورات عنيفة من هذا النوع مستقبلاً. تتعلق الحقيقة المُرّة باستمرار المشكلة التي تطرحها غزة وتتحمّل إسرائيل مسؤوليتها لأن غزة جزء من إسرائيل، سواء اعترف الإسرائيليون بذلك أو لم يفعلوا. اعتبرت معظم الحكومات ووسائل الإعلام هذا القتال حرباً بين دولتَين، لكنه ليس كذلك.

لا تعترف إسرائيل بغزة (أو فلسطين) كدولة بحد ذاتها ولا بحركة «حماس» كسلطة شرعية تحكم سكان المنطقة. كردّ أولي على الاعتداء، سارعت إسرائيل إلى قطع إمدادات الأغذية، والأدوية، والمياه، والكهرباء، عن المنطقة كلها. لا تستطيع أي دولة أن تتعامل مع دولة أخرى بهذه الطريقة، لكنها قد تفرض هذه التدابير على أرض تحيط بها وتسيطر عليها.

قبل أن يرفض أحد اعتبار غزة سجناً إسرائيلياً مكتظاً، يجب أن يعرف الجميع أن ما يحصل داخل زنزانات وساحات السجون الإسرائيلية (مثل بيت شان، أو عسقلان، أو مجيدو، حيث يشكّل الفلسطينيون أكبر عدد من السجناء) لا يخضع لسيطرة الحراس بل المنظمات الفلسطينية الأسيرة. يدرك المطّلعون على نظام العدالة الجنائية الإسرائيلي حقيقة ما يحصل، ولن يفكر أحد منهم باعتبار تلك السجون خارج نطاق إسرائيل. لهذه الأسباب، يُعتبر السجن الممتد على 140 ميلاً مربعاً في قطاع غزة، حيث تسيطر حركة «حماس» على الشؤون الداخلية، جزءاً من إسرائيل أيضاً.

يعرف الجميع إلى أي حد يكون السجناء الهاربون وحشيين، وكيفية سحق الثورات الوحشية في السجون، وإلى أي حد يعاني السجناء غير المتورطين في أعمال العنف. سبق وتحققت مجموعة التوقعات الأولى، وها نحن نشهد حصول التوقعات الأخرى اليوم. لكن تُعتبر ثورات السجون أيضاً مؤشرات حية على قلة كفاءة إدارة السجون وما يرافقها من وحشية أو نتائج عكسية. هي تؤدي في معظم الحالات إلى إصلاح السجون أو إغلاقها في بعض الأحيان.




فلسطينيون يرشقون الحجارة على دبابة إسرائيلية بالقرب من السياج الفاصل | 6 أيلول 2005




هذا ما يحتاج إليه سجن غزة. يجب أن تتخذ إسرائيل قرارها في هذا المجال: إذا كانت لا تريد شيئاً من غزة، يُفترض أن تطلب من الأمم المتحدة أن تستلم المنطقة وتساعدها عن طريق الإصلاحات الإسرائيلية، وأموال الخليج، ومساعدات أمنية دولية، لمنحها أفضل مستقبل يمكنها تحقيقه.

لكن إذا أرادت إسرائيل الاحتفاظ بغزة، فيجب أن تفتح المناطق قليلة السكان في شمال منطقة النقب الإسرائيلية أمام مئات آلاف الناس من سكان غزة، حيث كانت منازل أجدادهم تقع سابقاً، ويجب أن تمنح حقوقاً متساوية للجميع وتسمح لهم بالمشاركة في حياة الدولة التي تحكمهم. كان هذا التوجه جزءاً من خطة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لصالح الفلسطينيين، لكن تجاهله الكثيرون في معظم الأوقات. يعني ذلك في نهاية المطاف منح مواطنة متساوية لجميع الناس، وهو وضع ضروري في هذه الظروف.

اليوم، يعيش العرب بأعداد تفوق اليهود بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن، وتبدو المشاكل المتعلقة بتعايشهم معاً، ومعنى ذلك التعايش بالنسبة إلى اسم الدولة التي يتقاسمونها وطبيعتها، مخيفة بمعنى الكلمة. لكن تبقى هذه المشاكل أفضل من تلك التي نواجهها في الوقت الراهن، وهي أفضل من التعقيدات المتوقعة مستقبلاً في حال اكتفت السياسات اللاحقة بالتعامل مع أهوال الكارثة بدل معالجة أسبابها الكامنة.


MISS 3