شربل داغر

بين مقاومة الإحتلال وقوة الوضوح السياسي

23 تشرين الأول 2023

02 : 00

هل يمكن التفكير في زمن الحرب؟

هل يمكن التفكير في السياسي، والحرب ميزاتُها؟

هذا صعب مؤكداً. ويزيد من صعوبته عربياً هو أن السياسي، أي التفكير فيه، حالة مؤجلة، حالة مرتجلة، أي محكومة بانفعالات ومشاعر ناتجة عن الظلم اللاحق بالفلسطينيين، من جهة، وعن العجز العربي، من جهة ثانية.

مع ذلك، قد لا يضير، مع التضامن مع غزة، إثارة بعض الأسئلة، ولو لا نحسن الإجابة عنها بالضرورة.

فما نعايشه منذ أسبوعين لا يعدو كونه مشهداً متكرراً، لجهة التظاهر والتضامن والاستنكار، أو إعلان النصر الحتمي الوشيك عند بعض الانتصاريين.

هذا ما يُسمى «الهبة»، وهي لا تصنع سياسة مناسبة بالضرورة، ولا تزن كثيراً في الميزان بكل أسف.

هي قبل كل شيء «هبات مأذونة»، أي تَسمح بها السلطات القائمة.

وهي هبات، لا تَظهر، إلا لتختفي. كما لو أن السياسة شأن مؤقت، ظرفي، فيما يتم ترك السياسة بين تظاهرتَين: تركُها لسلطات، ومنها لسلطة «حماس» نفسها.

نُقبل على «المناصرة»، كما لو اننا نحتاج إلى فحص دم، أو إلى امتحانٍ يتولاه هواة الظهور غير المكلف: ينددون بالبطش الإسرائيلي، كما لو أنه وليد الساعة، أو فعل بدئي، لا يسبقه، ولا يتبعه.

مثل هذه «الهبات» تُظهر مدى افتقاد السياسات العربية إلى السياسة فعلاً، أي إلى ما يتعدى المناصرة التلقائية، والمناشدة الفجائعية، والانتصارية الساذجة.

مثل هذه «الهبات» هي ما تتيحه السلطات القائمة ليس إلا،

أي ما تتيحه من «تنفيس» لشعور بالظلم وطلبٍ للمساندة.

للفلسطيني، المحتلة أرضه منذ سنوات وسنوات، الحق الأكيد والشرعي في المقاومة، إلا أن ذلك لا يمنع عن السؤال: ألنا ألا ننظر إلى الشقوق في الجسم السياسي والأهلي الفلسطيني؟

ألنا ألا ننظر إلى أنه لا يوجد «ممثل شرعي ووحيد» لفلسطين بين الفلسطينيين، وقبل العرب؟

الأكيد أن سياسات ياسر عرفات، ومنها اتفاقية أوسلو، ومهما قيل فيها من انتقادات، هي التي نقلت الصراع الفلسطيني إلى طور جديد، أي إلى فلسطين نفسها، وفوق أرض فلسطين.

هل تُعتبر السياسات، التي تُطلقها «حماس»، تطويراً وتعميقاً لهذا الطور؟

ألا يمكن اعتبار حل الدولتين الأفق الممكن للصراع؟ أهناك خيار راجح لدى الفلسطينيين وتجتمع عليه قواها العسكرية والسياسية؟

غير هذا، يبقى واقع الصراع، وقبل أفقه، تنازعاً بين الفلسطينيين أنفسهم، وتبقى «مناصرتهم» موقفاً عمومياً، خفيف الثقل السياسي.

الحق في فلسطين مداس منذ ما يقرب من القرن، لكن مقاومة الاحتلال متعاظمة، وهو ما له أن يتعزز مع وضوح الخيارات السياسية، والاتفاق عليها.


MISS 3