جو حمورة

"تظاهرات العالم" وحرب غزة... القوة أهمّ من الحق!

24 تشرين الأول 2023

02 : 00

جانب من تظاهرة داعمة للفلسطينيين في لندن السبت الفائت (أ ف ب)

يُخطئ من يظنّ أن لرأي الناس أهمية حقيقية خلال الحروب. هل تكترث ألمانيا مثلاً لبضعة ملايين من البشر على أرضها مِمَّن يرفضون دعمها الحالي لإسرائيل؟ أو أن «حزب الله» مثلاً، يكترث لرأي اللبنانيين في موضوع الدخول في حرب شاملة مع عدوّه اللدود؟

في الواقع، لا أهمية معتبَرة لرأي الناس، إلّا قبل الانتخابات بأشهر، وفي بعض الدول الغربية حصراً. أمّا في زمن الحروب، فرأي الناس مجرّد «فشّة خلق» وموقف أخلاقيّ لا يُقدّم أو يؤخّر في سياسات الدول. الحكومات في وادٍ والشعوب في وادٍ آخر. للإدارة الأميركية قدرة على أخذ أيّ موقف من النزاع الإسرائيلي - «الحمساوي» من دون الاكتراث الجدّي لرأي الناس فيها. لا لأنّ رأيهم لا يؤثر في شيء فقط، إنّما كذلك، لأنّ الشعب الأميركي لا يكترث، بمعظمه، لما يجري خارج حدوده. يُمكن لأهل اليمن التظاهر بالملايين في ساحات صنعاء «ضدّ جرائم العدو»، كما يُمكن لأهل العراق التظاهر في مدنهم طوال الليل «دعماً لغزة»، لكن كلّ هذه «الحركات» لا تمنع إسرائيل، بأي شكل من الأشكال، من مواصلة حربها على الفلسطينيين.

أصوات المدافع والصواريخ أعلى وأهمّ من أصوات الناس. أمّا الدفاع عن حقوق الإنسان والذود عنه وتطبيق القرارات الدولية وقانون الحرب والقانون الدولي الإنساني التي يُتحف الباحثون الجمهور فيها بالمواقف والنظريات ليل صباح على الشاشات، فلا أثر جدّي لها على الحكومات، بل هي مجرّد سرديات ونظريات للاستهلاك المحلّي.

هل اكترثت حركة «حماس» للقانون الدولي عندما خرقت «غلاف غزة» وقتلت بضع مئات من المدنيين والعسكريين صباح السابع من تشرين الأوّل؟ أو هل اكترثت إسرائيل للقوانين الدولية عند قصفها المدارس والجوامع والكنائس والمستشفيات في قطاع غزة؟

ضجيج الناس في الشوارع ولافتاتهم المضحكة والتعابير المنمّقة للخبراء الاستراتيجيين على الشاشات لا تؤثر في سياسات الحكومات، فيما القانون الدولي يبقى مجرّد وجهة نظر قابلة للتفسير والتأويل أحياناً، كما والخرق غالباً. وحدها القوّة هي من تسيّر الحياة وعالم السياسة والحرب، بينما الحق هو لغة الضعفاء. «من يُريد أن يُحصّل ما يراه حقوقه، فعليه امتلاك القوّة أوّلاً»، هي الحكمة الأبدية في عالم السياسة والحرب والعلاقات الدولية. يُخيّل لنا أحياناً أن من وضعوا القوانين الدولية وحدّثوها في الزمن الحالي على النمط الثقافي والفكري الغربي، لم ينتبهوا كثيراً إلى الوحشية التي يعيش فيها أبناء شرق الكوكب. وحشية المعتدي والمعتدى عليه على حدٍّ سواء، حيث تُصبح الجريمة والجريمة المضادة من الأمور العادية، تودي بحياة آلاف الأطفال والأبرياء ببضع ثوانٍ، ثمّ تكمل الحياة في موجة عنف جديدة بعد دفن أشلاء الجثث في المقابر الجماعية بدقائق.

الدعم الغربي الكامل لإسرائيل هو الفيصل في تحديد سياساتها وحجم أعمالها العسكرية وحدودها في الأيام القليلة المقبلة، فيما الرهان على «هبّة» الشعوب ونهضتها ونضجها هو وهم الضعفاء وأمل المهزومين. من يدعمه الغرب ولديه إمكانات القوّة لا يكترث لا لقوانين ولا لعدو ولا للناس، فيما التائه من دون دعم دولي جدّي لا يبقى له سوى التكلّم عن الحقّ، إعداد العدّة للهرب وتعداد جثث ضحاياه.


MISS 3