جوزيف باسيل

"كارو" يوهمنا أن الحديد أفضل من الذهب

28 تشرين الأول 2023

02 : 00

يفاجئك شغف كيراكوس قيومجيان في عمله بالحديد والكتابة عنه، (رحلتي مع الحديد IRON) وندرك هذا الشغف في باب «نحن نحب رائحة الحديد»، والمقصود بكلمة نحن أهل كارو، الأب والأشقاء، امتداداً إلى أهل أرمينيا، إذ ثبت تاريخياً أن من أوائل مناجم الحديد وتعدينه ما وُجدت في الأناضول في محيط جبل آرارات- حبه الدائم لكارو- وكان سكان الأناضول الأرمن القدامى، هم الذين صنعوا السيوف وأسلحة

الحديد الصلبة التي أدت إلى هزيمة الفرعون وجيشه المصري في القرن الثامن عشر قبل الميلاد، وكانت تسمية المهاجمين «الهكسوس»، و»هاك» هي التسمية القديمة لشعب أرمينيا.

إذاً هذه الرائحة تعبّر خير تعبير عن الصلة الروحية العميقة التي تشد كارو إلى الحياة والعمل معاً، فهو يعيش حبه للحديد بشغف العمل به، فالحديد توأم روحه وباني حياته.

أخبرني كارو أنه يؤلف كتاباً عن الحديد، تساءلت: ماذا يكتب عن الحديد؟ وما أهمية الحديد التي تستحق كتاباً؟ حين بدأت قراءة المقالات والموضوعات المصنَّفة بحسب تاريخ الحديد وأهميته في حياتنا واتساع استعماله، ودوره في بناء الحضارات، ومواقع مناجمه حالياً وعبر التاريخ، وتطور صهره وتعدينه، وأهميته في التجارة العالمية... أخذت الفكرة تتبلور عن مضمون كتاب يستحق القراءة.

يحاول المؤلف تغيير النظرة الاعتيادية إلى الحديد بنقل تجربته الغنية ونظرته العامة والخاصة إلى القارئ، ويقارن الحديد بالذهب مفضِّلاً الحديد وعارضاً فوائده. هكذا سيذهب كلٌّ منا في رحلة ممتعة واستكشافية إلى عالم الحديد المتسع، فيما هو يستلقي على مقعد وثير في منزله.

كل قارئ سيجد في الكتاب شيئاً من اهتماماته الفكرية والجمالية. فالمتخصص بالكيمياء يجد معادلات عن تكوّن الحديد وطرق مزجه بالمعادن الأخرى، بمنحى علمي واسع، والباحث في التاريخ يجد ضالته في آخر المكتشفات عن أماكن وجوده وطرق تعدينه، منذ العصور القديمة، وتطور صناعته، والباحث عن معلومات يغني بها ثقافته ومعرفته يجد في كل صفحة معلومة فاتته، خصوصاً إذا لم يكن صاحب باعٍ في الأشغال الحرفية، والقارئ العادي يخوض في رحلة ممتعة بموضوعات متنوعة تشكِّل جزءاً من ثقافة عامة ذات هوامش واسعة.

يدخل الحديد في صناعة كل حاجاتنا اليومية الأساسية، ونسبته 95% من الإنتاج العالمي من المعادن، لأنه يُستخدم في أصغر الأشياء كالمسمار والدبوس وعقرب الساعة، وفي أكبرها كالصاروخ، مروراً بالسيارة والقطار والسفينة والطائرة وغيرها الكثير، وكل ما يدور في خلدك، فهو مادة لا يمكن الاستغناء عنها في الحياة والحضارة.

الحديد في الصناعات كالملح في الطعام لا يستغنى عنه. لقد بنى أمجاد الحضارات البشرية، كما شكّل الأدوات الحربية والأسلحة، التي هدمت هذه الحضارات، بعدما دمّرت بلداناً وقضت على شعوب. والحديد يصنع نفسه بنفسه، إذ يستخدمه الإنسان ثم يعاود صهره وتكوينه بأشكال جديدة ويستخدمه في إعادة البناء.

يُشهد لكارو أنه كتب العربية كالأرمنية وأجاد فيها، ولا ريب في الأمر فهو تتلمذ في سوريا التي تجعل الأولوية لدرس العربية في برامجها الدراسية، كما أنه اكتسب المزيد بما تعلمه من الصحافة اللبنانية والكويتية بنشر مقالات تخضع لقلم التحرير، كذلك اكتسبها من مجموع المؤلفات التي أصدرها، فهو ابن ثلاث ثقافات: الأرمنية التي يتحدر منها، والعربية التي اكتسبها بالدراسة والنشأة في سوريا، والكويتية حيث عاش وعمل وكوَّن ثقافته الحديدية.




MISS 3