إليزابيت برو

الحرب مع "حماس" تُهدّد الواردات الإسرائيلية

30 تشرين الأول 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

ميناء «أشدود»

رداً على الحرب المستمرة بين إسرائيل وحركة «حماس»، أعلنت شركة شحن تايوانية كبرى في الأسبوع الماضي حالة «القوة القاهرة»: يحرر هذا البند في العقد الأطراف المعنية من المسؤوليات والالتزامات في حالات استثنائية مثل الحروب والكوارث الطبيعية. حتى أنها ألغت مرور إحدى سفنها في ميناء «أشدود» الإسرائيلي بسبب «غياب الأمن المستمر».



يقع ميناء «أشدود» على بُعد 25 ميلاً من تل أبيب، وهو يُعتبر بوابة بحرية أساسية لمرور جميع أنواع السلع من وإلى إسرائيل، كما أنه محاط بشركات لوجستية ومستودعات من النوع الموجود في موانئ رائدة أخرى حول العالم. لكن يقع هذا الميناء أيضاً بالقرب من الحدود مع غزة، على بُعد 31 ميلاً تقريباً. في ظل تطاير القنابل والصواريخ المفاجئة في أجواء غزة وجنوب إسرائيل، استنتجت شركة «إيفرغرين لاين» أن الوضع لم يعد آمناً بما يكفي كي تمرّ سفينة «إيفر كوزي» بميناء «أشدود».

تغيّر مسار هذه السفينة باتجاه ميناء حيفا، في أقصى شمال إسرائيل، واضطرت حمولتها هناك لشق طريقها نحو وجهتها النهائية. بعد مرور بضعة أيام، بدا ميناء «أشدود» هادئاً بدرجة مفرطة، فعرضت المواقع الإلكترونية الخاصة بحركة المرور البحري عدداً صغيراً من السفن الراسية في الميناء وأخرى تنتظر الدخول إليه. في غضون ذلك، اضطر ميناء حيفا للتعامل مع حركة سفن كثيفة قادمة من «أشدود».

في الوقت نفسه، بدأت خطوط شحن أخرى وشركات التأمين التي تتعامل معها تعيد النظر بخيار المرور بالموانئ الإسرائيلية في الوقت الراهن بسبب الصراع المستمر. تدخل المياه الإسرائيلية أصلاً في خانة مساحات الشحن الأكثر عرضة للخطر، وقد ارتفعت علاوة المخاطر الآن بمئات الأضعاف. كذلك، يجازف الغزو الإسرائيلي البري المرتقب ضد غزة بزيادة خطورة رحلات السفن التجارية من وإلى الموانئ الإسرائيلية ورفع كلفتها.

إنه عامل مؤثر لأن إسرائيل تتكل بشدة على الواردات. في هذا السياق، ذكرت وزارة الزراعة الأميركية في تقرير أصدرته في العام 2022 أن إسرائيل تتكل بشكلٍ شبه حصري على الواردات لاستهلاك السكر، والزيوت النباتية، والبذور الزيتية، والعلف، والحبوب، ومواد خام أخرى في القطاع الغذائي، بينما يتكل قطاع اللحوم فيها على استيراد الحيوانات الحية. تستورد إسرائيل ثلاثة أضعاف المنتجات الغذائية والزراعية التي تُصدّرها، وتتنقل تلك المنتجات عبر موانئ أشدود وحيفا.

بدأت خطوط الشحن وشركات التأمين المرتبطة بها تتردد في متابعة التعامل مع الموانئ الإسرائيلية. تدخل الموانئ الإسرائيلية واللبنانية أصلاً في خانة المساحات الأكثر خطورة بالنسبة إلى شركات التأمين في لندن، ما يعني أن خطوط الشحن تحتاج إلى موافقة شركات التأمين التي تتعامل معها للمرور بجميع الموانئ في تلك المنطقة، وهي تدفع علاوة مخاطر الحرب مقابل هذه الخطوة. (تسيطر شركات التأمين في لندن على التأمين البحري العالمي وتُحدد المعايير العالمية في هذا المجال).

في الوقت الراهن، يصل المعدل الكلي لعلاوة مخاطر الحرب التي تدفعها خطوط الشحن حين تمرّ أي سفينة في ميناء «أشدود» إلى 0.65% من قيمة السفينة الإجمالية. في غضون ذلك، يُعتبر ميناء طرابلس في ليبيا وجهة محفوفة بالمخاطر أيضاً، وتبلغ تلك النسبة هناك 0.4%، وهو المعدل الذي يسجّله ميناء حيفا راهناً. وفي ميناء بنغازي وموانئ ليبية أخرى، تصل هذه المعدلات إلى 0.13 و0.15% على التوالي، مقابل 0.75% في موانئ الحديدة والصليف في اليمن، و0.35% في موانئ عدن والمكلا. حتى أن هذه النسبة تقتصر على 0.5% في ميناء مقديشو في الصومال. وحدها موانئ البحر الأسود في روسيا وأوكرانيا تسجّل معدلات أعلى من ميناء أشدود من حيث علاوات مخاطر الحرب، إذ يبلغ ذلك المعدل فيها 1% من قيمة السفينة الإجمالية.

يؤكد ارتفاع المعدلات الإسرائيلية على المخاطر التي تتعرض لها السفن التجارية في المياه الإسرائيلية. تعليقاً على الموضوع، يقول نيل روبرتس، سكرتير اللجنة الحربية المشتركة (هيئة بحرية تُعنى بتصنيف المياه الدولية بحسب المخاطر التي تتعرض لها): «لا أحد يريد أن يدخل ميناءً ثم يعجز عن الخروج منه، كما حصل في أوكرانيا». عملياً، اضطر أصحاب السفن وشركات التأمين لمراجعة تقييماتهم المرتبطة بقدرة السلطات الإسرائيلية على حفظ الأمن في البلد.

يقول سايمون لوكوود، المدير التنفيذي البحري في شركة وساطة التأمين العالمية WTW: «يراقب أصحاب السفن وشركات التأمين في الوقت الراهن مدى قدرة إسرائيل على صدّ الاعتداءات. سبق وأدى نجاح حركة «حماس» في تنفيذ تلك الاعتداءات كلها هذا الشهر إلى زيادة علاوات الحرب الخاصة بالرحلات نحو الموانئ الإسرائيلية بمئات الأضعاف».

بدأت خطوط الشحن تزيد التكاليف على عملائها منذ الآن. في بداية هذا الأسبوع، فرضت مجموعة من خطوط الشحن رسوماً مضافة، بين 50 و100$، على كل حاوية ذات حجم عادي. يوضح لوكوود: «سينقل أصحاب السفن كلفة المخاطر المطروحة إلى عملائهم. دائماً ما تفرض مخاطر الحرب هذا النوع من التدابير. لكن تتعلق المسألة الأساسية أيضاً باستعداد الشركات لأخذ المجازفات».

ستتأثر إسرائيل حتماً بطريقة تقييم خطوط الشحن وشركات التأمين للصراع الإسرائيلي مع «حماس» واحتمال اندلاع الحرب على نطاق أوسع في المنطقة. تقوم إسرائيل بمعظم تبادلاتها التجارية عبر الممرات البحرية بسبب موقعها الجغرافي. لكن كان المرور بالموانئ الإسرائيلية معقداً قبل بدء هذا الصراع أيضاً، ولم تكن المشكلة تتعلق بالتأمين على السفن حصراً. في بعض الحالات، تذكر وزارة الزراعة الأميركية أن «السفن كانت تضطر للانتظار طوال أسابيع قبل أن تدخل الميناء، وكان عدد السفن في صفوف الانتظار يصل أحياناً إلى 60 سفينة دفعةً واحدة». تأتي المخاطر المفاجئة التي يطرحها احتمال تعرّض السفن في «أشدود» للصواريخ وأضرار أخرى لتزيد تلك العوائق تعقيداً.

لن تقف المشاكل عند هذا الحد لأن الصراع المحتمل مع «حزب الله» اللبناني سيزيد المخاطر المطروحة على حيفا المجاورة. ذكرت شركة استشارات المخاطر البحرية «درياد غلوبال» في تحليل جديد: «إذا تورط «حزب الله» في الصراع من جنوب لبنان، لا مفر من أن تتوسع التهديدات المطروحة على ميناء حيفا فوراً. في هذه الحالة، ستزيد المخاوف من مخاطر الأضرار الجانبية المطروحة على السفن واحتمال توقف العمليات، حتى لو لم تكن السفن هدفاً مباشراً للاعتداءات».

أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في 22 تشرين الأول، أن «إسرائيل ستستهدف «حزب الله» إذا شارك في الصراع بقوة لا يستطيع تخيّلها، وستكون عواقب تلك العمليات عليه وعلى الدولة اللبنانية كارثية». من الواضح أن نتنياهو استعمل هذه الكلمات العدائية لردع «حزب الله»، لكن لم يتأثر «الحزب» بهذا الموقف على ما يبدو، فقد اشتبكت إسرائيل مع عناصره على الحدود الإسرائيلية اللبنانية في اليوم نفسه. بدأت الحكومة الأميركية تدعو المواطنين الأميركيين منذ الآن إلى مغادرة لبنان.

قد لا يخاف «حزب الله» من كلمات نتنياهو بشأن إطلاق ضربات عسكرية لا يمكن تصورها، لكن بدأ الذعر يطغى على خطوط الشحن وشركات التأمين. قد لا تكون هذه الجهات مسيّسة بأي شكل، لكن تُعتبر خدماتها أساسية بالنسبة إلى إسرائيل التي تتكل على عمليات الشحن. وإذا استنتجت تلك الشركات أن الوضع يمنع المرور بالموانئ الإسرائيلية، قد يفتقر البلد قريباً إلى المواد الغذائية.


MISS 3