بتاريخ 1 تشرين ثانٍ 2023، تمّ إطلاق برنامج "رؤية لبنان المستقبلية"، في قاعة "كولدج هول" بالجامعة الأميركية في بيروت.
مِنَ المؤَكَّد أن نهوض لبنان بحاجة إلى برنامج يتضمَّن سِلسِلة ندوات تعقدها نخبة لبنانية تحمل الهمَّ الوطنيّ، تفقه في عِلم السياسة، وتُبدِع في الشأن العام.
بحضورِ عددٍ مِن أعضاء مجلس النواب اللبناني ورئيس الجامعة الأميركية وآخرين، ألقى أستاذ التاريخ "مكرم رباح" كلمةً رحَّب فيها بالحضور، ثُمَّ شرح فكرة البرنامج ودوافِعِه ومراميه.
لَمّا وصل الدكتور "مكرم رباح" إلى استِعراض أجندة البرنامج بِمحاوره الأربعة، الموزّعة على أربعة أسابيع، بدا البرنامج مِن خلال عناوينه وكأنّه سيَتَسَبَّب بعكسِ الغاية المرجوَّةِ مِنه. تمامًا كما لو أنّ شاحِنَةَ إطفاءٍ يُنتَظَر مِنها أن ترشّ الماءَ لإخماد الحريق، فإذا بها تَستَبدِلُ الماءَ بالوقودِ لِتَتَسَبَّب باستِفحال الحريق وتأجيج نيرانه.
أعزّائي القيِّمين على Lebanon Forward Vision
لا أشكّ بطيبِ نواياكُما، وكذلك صِدقكُم وإخلاصكُم، لكن أعتقد- كباحث أفنى عُمرَهُ في العلوم السياسية- أنّ ما تطرحونه في سياق "رؤية لبنان المستقبلية"، وما أطلقتُم عليه وصف "المنحى المنهجي الجديد"، ليس فيه جديدًا ولا يستقيم مع بديهيّات عِلم السياسة، وإليكُم البَيان:
هل توافقونني الرأي بأن التشخيص يسبق العِلاج؟ وهل توافقونني أيضًا بأنَّ مَرَض لبنان السياسي يكمُنُ في نِظامِه؟
بكلّ محبة واحترام، أدعوكم إلى عدم متابعة قراءة هذا المقال في حال كان لديكم أدنى شكّ بِصوابيّةِ التشخيص المذكور.
جميعنا يعلم أنّ إعادة رسم خرائط الشرق الأوسط لا تلحظ شيئًا اسمه "لبنان"، وينبغي علينا أن نكون أكثر كفاءة، وأن نرتقي إلى مستوى الخطر الوجودي الذي يتهدَّدُ وطنَنا.
هل ننهض بلبنان عبر إضاعة الربع الأول مِن زمن برنامجكم على التكهّن بشأن "مستقبل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في لبنان"؟
وهل ننهض بلبنان عبر إضاعة الربع الثاني مِن برنامجكم على "المَمَرّ والمَقَرّ"؟
وهل ننهض بلبنان عبر إضاعة الربع الثالث مِن برنامجكم على "إصلاح قطاعي الأمن والعسكر"؟
وه ننهض بلبنان عبر إضاعة الربع الرابع مِن برنامجكم على سَفسَطَة "الثقافة والحرية"؟
حَدِّثوا العاقِل بِما يليق، فلا خلاص للبنان إلا بتغيير نظامِهِ السياسي المَشوب بعُيوبِ الطائفية والزبائنية التي تفتح باب الفساد على مصراعيه، وهذا التغيير لا يكون إلا بدستورٍ جديد يُجِلّ الإنسانَ ويكفلُ حرياته، بدلاً مِن دستورٍ رتيبٍ يُجِلّ الطوائف ويكفل مصالح الخارج.
كان مِن الأفضل أن تجعلوا البرنامج مِن ثلاثة مَحاوِرٍ لا أربعة:
المِحور الأول: عناوين عريضة لقانون انتِخاب عصري
المِحور الثاني: ملامح دستور جديد يستنِد إلى دراسات مقارنة مع بلدان نهضت بمجرد أن غيَّرَت دساتيرها
المحور الثالث: آليات تحرير الجسارة الجماعية تأييدًا للمُنتَجَين الفكريّين المذكورين أعلاه
هكذا فقط يكون النقاش الوطني الفاعل الذي يتخطى إدانة الطبقة السياسية، ويحدّد ملامح مستقبل لبنان وجوهره. وهكذا فقط ينبغي أن تكون الاجتماعات والمؤتمرات وأوراق العمل، ومقالات الرأي، والدراسات.
إن لم تكونوا أنتم، فمن سيفهم ويسوق مخرجات العلوم السياسية الحديثة؟ مَن يستطيع استِلهام المسار التغييري القائم على سقاية بذرة الخير الموجودة في قلب كل إنسان؟ مَن سيَرسُم سياسات تنبثق مِن خيال إيجابي جميلٍ وبعيدًا عن ضغوط الواقع؟ مَن سيكتشف ويطرح معادلة "رابح-رابح" ليكون الوطن هو الفائز الأوَّل؟
ختامًا، حتى يستحق برنامجكم وصف "منحى منهجي جديد"، وحتى يكون قادرًا على النهوض بلبنان، ينبغي أن ينطوي مسارٍ تغييريٍّ جذريّ، وأن يضع حدًّا للحلول الترقيعية في السياسة اللبنانية.