جاد حداد

Miss Americana... تايلور سويفت تحت المجهر

4 تشرين الثاني 2023

02 : 00

يهدف فيلم Miss Americana (ملكة جمال أمريكانا) على شبكة «نتفلكس» إلى ترسيخ الانطباع الأول الذي نحمله عن نجمة البوب الشهيرة تايلور سويفت، فنشاهدها وهي تجلس بملابس بسيطة وتشبك ساقيها وراء الكواليس، أو تقرأ مذكراتها من أيام المراهقة، أو تتكلم عن استنتاجات مختلفة توصلت إليها حول المرأة التي تريد أن تصبح عليها. إنها أجواء بعيدة عن حفلاتها الحاشدة، ولو بدرجة معينة. يهدف وثائقي لانا ويلسون إلى إرضاء المعجبين والتشديد على الوعي الذاتي الذي وصلت إليه سويفت، لكن لا مفر من أن نشعر بوجود مواضيع أخرى تستحق النقاش حول الأسباب التي جعلت سويفت تصل إلى مكانتها الراهنة.

أعادت سويفت ابتكار نفسها مراراً، ويعرض الوثائقي حياتها قبل إصدار ألبوم Lover في العام 2019، وبعد ألبوم Reputation الذي لم يحقق النجاح بقدر عملها السابق في العام 2017. (تُعرَض لقطات قصيرة من ردة فعلها على عدم ترشّحها لأي جائزة «غرامي» على ألبوم Reputation، وهي لحظة لافتة). في تلك الفترة أيضاً، أصبحت سويفت أكثر تدخلاً في الشؤون السياسية وبدأت تعارض محافظين، مثل السيناتورة المناهضة للحركة النسوية مارشا بلاكبيرن من ولاية تينيسي ودونالد ترامب. يحاول الفيلم تفصيل العوامل التي مهّدت لذلك التحول، لكنه يحرص أيضاً على الإشادة بها بسبب مشاركتها في هذه النشاطات.

تعرض ويلسون فصولاً مختلفة من الأحداث التي مهّدت لشهرة سويفت، وهي مراحل يعرفها معظم المطّلعين على ثقافة البوب. في غضون ذلك، تعرض المخرجة ظروفاً عاطفية ضمنية قد لا يعرفها المعجبون بشأن تجارب سويفت الشخصية والعامة. تتذكر سويفت مثلاً حادثة خلال حفل جوائز «إم تي في» الموسيقية في العام 2009، حين اقتحم كانييه ويست المسرح بعد فوزها بجائزة عن فئة «أفضل فيديو نسائي» وأعلن أن «بيونسيه قدّمت واحداً من أفضل الفيديوات على الإطلاق». هي تعترف بأنها شعرت بأن صيحات الاستهجان التي تلت تصرف ويست كانت موجهة ضدها وأنها تأثرت كثيراً بما حصل كونها معتادة على التعامل بلطف مع الجميع وحصد إعجاب الناس.

تعرض ويلسون مسار النجومية التي حققتها سويفت في مجال موسيقى البوب كقصة عامة عن امرأة اجتهدت كي تتماشى مع القيم التي يربطها الناس بالنساء، ما جعلها تخسر ثقتها بشكلها الخارجي وتصاب باضطراب غذائي، لكنها تسعى الآن إلى منع تلك القوى من السيطرة عليها. يتطرق الوثائقي أيضاً إلى الشتائم التي تعرضت لها سويفت بسبب علاقاتها العاطفية العلنية، والاتهام الذي وجّهه البعض لها باعتبارها امرأة «مزيفة». من بين جميع لقطات الكواليس التي سيستمتع بها ملايين الناس من محبّي سويفت، تبرز قصة امرأة شقّت طريقها المهني في مجال وحشي «يدفن النساء في عمر الخامسة والثلاثين»، كما تقول سويفت. كذلك، يحمل الوثائقي رسالة قوية مفادها أنها امرأة تعرّضت للاعتداء الجنسي فعلاً وكادت تُمنَع من سرد قصتها. تتكلم سويفت عن هذه الأحداث، فنشعر بأننا نشاهد مسيرة امرأة لطالما سعت إلى بلوغ أعلى درجات الوعي الذاتي. لكن تصطدم هذه المقاربة الجاذبة للأسف بنزعة صانعي العمل إلى إرضاء المعجبين بمواد ترفيهية من وقتٍ لآخر.

قد لا يكون إرضاء المعجبين أمراً سيئاً بالكامل، لا سيما إذا كانت نجمة العمل تتمتع بكاريزما عالية مثل تايلور سويفت. يمكنها أن تكشف عن جانب عفوي وحذق من شخصيتها بأسلوب سلس ومباشر، سواء كانت تعمل في الأستوديو أو تتواجد في منزلها. لكن يحدّ الفيلم من قدراته بسبب تركيزه على هذا الجانب الضيق وطريقة عرضه لشخصية هذه النجمة الشهيرة في عالم البوب أو تصرفاتها وإصراره الدائم على تقديمها بصورة البطلة. يحاول الفيلم إذاً دعمها وحمايتها طوال الوقت، لكنّ هذه المقاربة تجعل سويفت أبعد ما يكون عن المشاهدين.

من الأسهل التواصل مع سويفت والتفاعل مع قصة حياتها حين تتكلم بكل شفافية عن حاجتها العميقة إلى إرضاء الآخرين ورغبتها في أن تصبح «الفتاة الصالحة» النموذجية. لكن كلما تستعمل ويلسون تلك الصفة المؤثرة ثم تعرض مقتطفات من حفلات سويفت الناجحة وكأنها عروض فنية معزولة تعكس مشاعر كامنة من انعدام الأمان وعدم الرضا على الذات، يتجاوز الوثائقي حدود المثالية التي يحاول نَسْبها إلى بطلة العمل. مع ذلك، توحي معظم أجزاء الوثائقي بأننا مضطرون لمدّ رؤوسنا والتطلع إلى واحدة من أشهر الناس في العالم، ثم نكتفي بشكرها لأنها تُذكّرنا بأنها إنسانة مثل غيرها من البشر.


MISS 3