جو حمورة

إيران التائهة تكتفي بـ"التضامن المعنوي" مع "حماس"

8 تشرين الثاني 2023

02 : 00

خامنئي متحدّثاً أمام طلاب في طهران الأربعاء الماضي (أ ف ب)

تبدو المواقف الإيرانية هذه الأيام كأرقام البورصة، إذ تعلو حيناً وتخفت أحياناً أخرى على وقع الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة «حماس». انتهى زمن «رمي إسرائيل في البحر» وهزيمة «الغدة السرطانية في جسد الأمة» بـ»سبع دقائق»، بل بات الموقف الإيراني الرسمي أكثر واقعية ويشوبه الكثير من الضياع والتردّد.

البحث عن مواقف وزير خارجية إيران حسين أمير عبداللهيان المتعدّدة فيه متعة، خصوصاً وأن مواقفه الأخيرة غالباً ما ناقضت بعضها البعض، ودلّت على حالة بلاده التائهة بين التصعيد والتروي. فبعد يوم واحد من عملية «طوفان الأقصى»، قال عبداللهيان إنّ «إيران لا تريد اتساع رقعة حرب غزة»، ثمّ أشار بعد أسبوع خلال زيارته بيروت إلى أن «احتمال توسيع الحرب وارد»، لينتهي إلى القول في الخامس من تشرين الثاني إنّه «لا يُمكن تجنّب تصعيد الحرب في المنطقة في هذه الظروف».

على المنوال نفسه، بدا موقف المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي، فاتراً، بعدما دعا إلى «وقف التجارة مع إسرائيل، بما في ذلك النفط»، فيما قال وزير الدفاع الإيراني محمد رضا أشتياني إنّ «دعم بعض الدول الأوروبّية إسرائيل سيؤدّي إلى إثارة غضب المسلمين».

إختفت المواقف العالية النبرة عن ألسنة المسؤولين الإيرانيين، فلا تهديدات جدّية ولا مواقف تصعيدية، بل ميل إلى التروي وتقديم المساندة «المعنوية» لـ»حماس» وقطاع غزة. هذه «الإنهزامية» الإيرانية مردّها الخوف من الولايات المتحدة الأميركية، والتي أظهرت دعماً سريعاً وكبيراً لإسرائيل منذ اليوم الأوّل لبداية الحرب، وبعد الموقف الصارم من الرئيس الأميركي جو بايدن بأنه «ستتمّ معاقبة أي دولة تتدخّل في الصراع الدائر بين إسرائيل وغزة».

وحدها مسيّرات الحوثيين العشوائية وصواريخ «حزب الله» القصيرة المدى و»جبهة التضامن» جنوب لبنان التي أعلن عنها أمين عام «حزب الله» حسن نصرالله، تعفي إيران من الإحراج أمام محبّيها ومريديها، كما تخاذلها في نصرة غزة و»حماس». الواقعية الإيرانية قد لا تشفي غليل المراهن على قوّة إيران، لكن خيارها المهادن ذكي في مجال السياسة الخارجية، فأي مجنون يُحارب إسرائيل وأميركا في لحظة غضبهما؟

تعرف إيران أن المناورة السياسية والعسكرية في العراق ولبنان واليمن سهلة ومربِحة، لكن الأمر يختلف عندما يتعلّق بإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية. تعرف إيران تماماً، أنه عندما أغضبت دمشق تل أبيب، قامت هذه الأخيرة بإسقاط حوالى 80 طائرة سورية فوق لبنان في يوم واحد من عام 1982. وإن واشنطن قامت، عام 1988، بتدمير حوالى نصف البحرية الإيرانية في عملية «فرس النبي»، بعدما أصاب لغم بحري إيراني سفينة أميركية. وإن واشنطن لا تتردّد في قتل أي كان، تماماً كما حدث مع قائد «فيلق القدس» اللواء قاسم سليماني عام 2020.

العبث مع الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل في لحظة غضبهما هو الجنون بعينه، لذا يبقى الموقف الإيراني متردّداً وتائهاً، ويكتفي بالدعم المعنوي لـ»حماس» وقطاع غزة، ولا يتعدّى إطلاق بعض الصواريخ الصغيرة من جبهة جنوب لبنان المضبوطة على وقع «قواعد الاشتباك»، ومن دون خوض مغامرة غير محسوبة ومكلفة جدّاً.


MISS 3