حسان الزين

أدرعي يُهمّش وأبو عبيدة يتقدّم وباسم يوسف يُفجّر السخرية و"المراسل عبود" يُقاوم بالنكتة

11 تشرين الثاني 2023

02 : 02

الناطق العربي باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي

إلى جانب الحرب في غزّة، تدور في الإعلام ووسائل التواصل حربٌ على الصورة والسردية.

المتأثر الأوّل سلباً بالحرب في غزّة كان الناطق العربي باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي. فبعد سنوات من السخرية العربية منه، وهذه باتت من أبعاد صورته، جاءت ضخامة الحدث في 7 تشرين الأول 2023 لترسم حجماً ضئيلاً وهامشيّاً له ولتحاصر البروباغندا التي يمارسها. وبعد أن جرف دفقُ الصور والفيديوات الفلسطينية الآتي من الجدار العسكري والاستيطاني حول غزة صورة أدرعي، بات الطلب على المعلومات والأخبار أكبر من أن يلبيه أدرعي، بل يستدعي شخصاً أعلى منه وظيفياً وأكثر جدية ومقبوضيّة. وإذ ظهر الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هغاري، تقلّصت مهمّة أدرعي ومساحته الضيقة والمتداعية أصلاً. ومع حلول الأصيل بدل الوكيل، بات أدرعي، عربيّاً، مادّة نقد وتكذيب على وسائل التواصل، فيما تراجعت «حاجة» وسائل الإعلام العربية، التي تستضيف إسرائيليين، إليه.





الناطق العسكري باسم كتائب القسّام أبو عبيدة



على الرغم من ذاكرة الهزيمة

ليست محدودية أدرعي وكوميديته وحدهما ما فعل ذلك. ثمة طلب على حقيقة الميدان. وهذه لا تكتمل بالرواية الإسرائيلية فحسب، بل إن الرواية الإسرائيلية التي لا يقدّمها أدرعي بل تُؤخذ على لسان الناطق العسكري الرسمي، باتت تُقارن بل تُفحص بالرواية الفلسطينية، خصوصاً التي يقدّمها الناطق باسم كتائب عزالدين القسام، أبو عبيدة. فإطلالات هذا الشخص المجهول المتخفّي خلف الكوفية الفلسطينية باتت مُنتظرة من فئات واسعة تصدّقه وترجّح نشرته الإخبارية على النشرة الإسرائيلية. يحصل ذلك على الرغم من امتلاء الذاكرة الجماعية العربية بالشواهد التي تطعن بالإعلام الرسمي، في أيام السلم عموماً وفي الحروب خصوصاً. وأبرز تلك الشواهد تجربتا الإعلامي أحمد سعيد في الحرب المصرية - الإسرائيلية في 1967 ووزير الإعلام العراقي محمد سعيد الصحاف خلال الاحتلال الأميركي للعراق في 2003. فهذان الإسمان يستحضران كلَّ التشكيك بالرواية العربية وصدقيّتها، ويستعيدان الهزيمة المغلّفة بالأكاذيب. لكن، على الرغم من الحذر التاريخي هذا، ومن احتشاد إطلالات أبو عبيدة بالخطاب الحماسي والأيديولوجي، فإن المضمون الإخباري فيها متين وقادر على منافسة المحتوى الذي يقدّمه الناطق العسكري الإسرائيلي. ويدعم هذه المتانة والقدرة على المنافسة ما يرافق تلك الإطلالات من أشرطة يسجّلها مقاتلو «حماس» وتوثّق هجماتهم على الآليّات الإسرائيلية. فهذه لم تغدُ مادة بصرية مشوّقة ومطلوبة حلّت بدل البيانات العسكرية فحسب، بل إنها عدّاد ولو جزئي للخسائر الإسرائيلية. وهذا العدّاد يمتحن الرواية الإسرائيلية بالنسبة إلى حجم الخسائر.





الديبلوماسي الفلسطيني حسام زملط



كلام غير ديبلوماسي


لا منافس لصور القتل والدمار في غزّة، وللعدد الضخم للضحايا لا سيما من الأطفال والنساء، في التأثير عربياً ودوليّاً. على الرغم من ذلك، أسهمت مبادرات ومواقف كثيرة في إعادة الاعتبار للرواية الفلسطينية. من أوائل الأصوات التي خاطبت الغرب وبدأت تُشعر العرب بأن روايتهم تخترق جدار الرأي العام العالمي، كان رئيس البعثة الديبلوماسية الفلسطينية في المملكة المتحدة حسام زملط. فخلال لقاءات مع قنوات تلفزيونية غربية، بعد هجوم حركة «حماس» على محيط غزة وانطلاق الحرب الإسرائيلية على القطاع، انتقد زملط ازدواجية الإعلام الغربي الذي «لا يتحدث عن الجرائم الإسرائيلية ويسعى إلى شيطنة المقاومة الفلسطينية». وإذ عرض لسياسات إسرائيل وعنفها واستمرارها بالاستيطان في الضفة الغربية وبحصار غزة، ونسفها المفاوضات ومنعها قيام دولة فلسطينية، ذكّر بالقضية الفلسطينية. وكان ذلك كفيلاً بتجديد أدوات الضغط الإسرائيلية هجماتها عليه، فيما كان أداؤه بمثابة كسر حصار إعلامي عليه وعلى الرواية الفلسطينية.



باسم يوسف وبيرس مورغان



تأجيج الأسئلة


وفيما أسهم تراجع البيت الأبيض عن تبنّي الرواية الإسرائيلية، في شأن وجود صور توثّق حرق الأطفال أثناء هجوم «حماس» على محيط غزّة، في خلخلة الرواية الإسرائيلية وإضعافها، حقّق النجم التلفزيوني المصري باسم يوسف اختراقاً كبيراً. وأكثر ما أرضى الرأي العام الرافض للإنحياز الغربي لإسرائيل هو السخرية التي فجّرها يوسف في وجه بيرس مورغان. فالسخرية لم تكن «فشة خلق» فحسب، بل انتقاداً ساخناً لغياب حقيقة القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي عن كثير من الإعلام والرأي العام الغربيين. لكن المهم في إطلالة يوسف تلك، والتي حظيت بنسبة مشاهدة عالية حول العالم، هو أنه نجح في تأجيج الأسئلة عند فئات واسعة في الغرب. وقد بدا ذلك واضحاً في تسجيل مورغان حلقة ثانية معه. وبعدما كان يوسف في إطلالته الأولى قد عرّى مخطط تهجير الفلسطينيين من غزة مذكّراً بالتغريبة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي التوسّعي، روى بأسلوب مسرحي علاقة الفلسطينيين بوطنهم وأصالتهم بأرضهم.



المراسل عبود



جاذبية التناقض


وبعيداً من حرب السردية تلك، حيث وجد زملط ويوسف وآخرون أن لا بد خلال الظهور على شاشات غربية من التذكير بألف باء صراعها ومن نقد الإعلام الذي يغيّب السردية الفلسطينية والدفاع عن حقها في الوجود، اتسعت على وسائل التواصل مساحات أقل جدية. فخلال أيام قليلة بات للفتى الفلسطيني عبد الرحمن بطاح نحو مليون ونصف المليون متابع على منصتي «إنستغرام» و»تيك توك». وقد فاجأ ذلك بطاح الذي يبدو واضحاً أنه لم يستعد له ولم يسعَ إليه. فأشرطته القصيرة ارتجالية وعفوية. وهي في معظمها بسيطة المضمون، يؤدّي خلالها دور المراسل الصحافي، لكن مادته الإخبارية محدودة. فما يحكم فيديواته ليس نقل الواقع، وإن أشار إليه، إنما السخرية منه عبر قول ما يناقضه. كأن يقول وسط غارات الطائرات الحربية وكثافة الانفجارات والدمار والقتل والحصار إن الحياة طبيعية بل هي مسلّية والناس مطمئنّون وسعداء. ولعل هذا مصدر قوة تلك الفيديوات وبطلها الذي صار «المراسل عبود» و»أقوى صحافي عربي في العالم». وكأن الجاذبية هي من تحدّي فتى محاصر، مثل نحو مليونين وثلاثمئة شخص من أبناء وطنه، الحرب والقتل والدمار. وحتّى الساعة لا شيء غير ذلك. لا شيء غير مقاومة إنسان بريء الموت بنكتة أو عبارة هازئة. فقوّة هذا الفتى الذي يحمل لمبة يتدلى منها شريط كهرباء وكأنها مايكروفون هي في الجو المرح الذي يدّعيه بصدق فيما الوضع عكس ذلك.


MISS 3