شربل داغر

"المؤامرة"... مستمرة!

29 تموز 2019

10 : 33

قلما أسمع او أقرأ لدى رجالات الحكم كلاماً عن "المؤامرة"، فيما لا ينقطع حديثها في خطابات مثقفين وفي تواصلهم الاجتماعي.

لعل الحاكمين يصمتون عما يجري، أو لا يفقهون ما يفكر فيه المثقفون ويتواصلون فيه...

إلا أن الغريب هو الحديث عن "مؤامرة"، لا عن "مؤامرات"، على الرغم من تغيّر العقود والعهود والسياسات...

فعمَّ نتحدث واقعاً؟

للفظ "المؤامرة" مفعول سحري أكيد، ونتائج مكفولة في أي نقاش أو سجال: إيقافُ الجدل، بل "حسمُه" بضربة نظرية ساحقة ماحقة.

كينيدي، أو جونسون، أو بوش، أو كلينتون، أو اوباما، أو ترامب...: أيّاً كان الرئيس، فقطار "المؤامرة" قد انطلق.

النفط، الثورة الرقمية، التجارة الدولية: أيّاً كانت الصراعات والمناقشات على الملكية، فإن العين الشريرة تخطط دوماً لوضع اليد على "سحر الشرق" ومقدراته.

يناهض هذا الشعب أو ذاك كلاّ من: صدام حسين، معمر القذافي، حافظ الأسد، حسني مبارك، زين العابدين بن علي وعلي عبد الله صالح وغيرهم، إلا أن هذا الرئيس أو ذاك "صنيعةُ المؤامرة" في عهد، أو يصبح "ضحيتَها" في عهد آخر.

نظرية المؤامرة... مريحة: تجعل العقل يستقيل من متابعة وتحليل ما هو صعب وملتوٍ وعسير...

ونظرية المؤامرة تُصالح الداخل مع الداخل من دون تفريق أو تمييز، فتُجهِّل فَعَلةَ العنف المحليين...

ونظرية المؤامرة تجعل من الأميركي بعبعاً ساحراً قوياً، يلمس البشر والوقائع لمسات فيحوّلها بيسر الى ما يشاء ويرغب...

لأن المقتلة كبيرة، فإن فاعليها كثر، ولها أطوار. ومن كان قوياً في عهد، بات أضعف في عهد آخر... ومن كان متقدماً في طور أصبح متراجعاً في طور آخر...

المسرح عريض، واللاعبون كثر... إنها دورة جديدة تشبه ما حدث في نهايات السلطنة العثمانية، لكنها أشد فتكاً وشراسة، ولا نعرف مآل حركة التشكيلات الجديدة للبلدان وحدودها ودساتيرها وتوازناتها الداخلية...

لدول وحكومات خططٌ ومصالح وسياسات استخباراتية (عنفية في بعضها)، إلا أن هذه - عندما تصحّ - تحتاج إلى سياسيين وجماعات تُديرها وتُوجهها... ضد بلدها واقعاً. هذه الدول والسياسات ليست "الوسواس الخناس". هي أبسط من ذلك حين يسعى عقل قاصر وبليد إلى فهم ما يجري: نراه يصوّر لنفسه ما تقوم به هذه الدول والسياسات الأجنبية وفق ما يعرفه من سياسات محلية، من سياسات المخابرات في بلادنا، وكما نعرفها.

نحن الضحايا، مؤكداً، لكننا القتلة ايضاً: إما أننا ادوات بيد أميركا، أو اننا شركاء في هذا العنف المعمّم.

خطاب "المؤامرة" لدى مثقفين لا يمكِّن المساكين من فهم ما يعصى عليهم في السياسة، ما دام انهم يجعلون السياسة "سرية للغاية" كما في بلدانهم.


MISS 3