"مطالعات" برنامج أدبي على "العربي 2"

نجوى بركات تفتح عوالم الكتب أمام المشاهدين

02 : 00

الروائية نجوى بركات

تقدّم نجوى بركات برنامج «مطالعات» على قناة «العربي 2». لنقرأ هذه العبارة مرّة أخرى. ثمة سرٌّ فيها، يتخفّى خلف الظاهر الإخباري منها. إنه نجوى بركات. فهي ليست مقدِّمة البرنامج التي تحاور الضيوف فحسب، وليست الروائية التي تتابع الأدب وكتّابه وسيرهم وأعمالهم وتعدّ محاورَ وأسئلةً وفقراتٍ فحسب، هي قبل هذا الدور وتلك الصفة، من المكافحين القلة لكي يكون للثقافة عموماً والأدب خصوصاً مساحة في الفضاء التلفزيوني العربي.

تقدّم نجوى بركات «مطالعات» من داخل الأدب وعالمه وتفاصيله وأسئلته. وهذه الإقامة للمقدّمة في الأدب والثقافة خصوصية نادرة تتشارك فيها مع عدد محدود من مقدمي البرامج الثقافية المحدودة أيضاً، وفي مقدّم هؤلاء الروائي أحمد علي الزين على قناة «العربية» والشاعر زاهي وهبي على قناة «الميادين».

وقد اختارت بركات لبرنامجها خصوصيّة أخرى غير خصوصيّة هويّتها كروائية تنتمي إلى عالم الأدب والثقافة تقدّم برنامجاً تلفزيونياً. تلك الميزة هي أن يكون «مطالعات» وسيطاً بين الكُتّاب والمشاهدين. فالبرنامج المتخصّص بالأدب وكتابته ومتابعة أحدث منتجاته، يستثمر أصالة مقدّمته وخبرتها ليقدّم للمشاهدين عوالم الكتّاب، ويفكّك أسرار أعمالهم التأليفية والسردية، ويعرض لاتجاهات الكتابة وهواجسها. وإذ لا يغادر البرنامج مساحة الحرص على العمق، تحرص مقدّمته على الإمساك بالخيط الرفيع الذي يعيد ربط تلك العوالم والأسرار والاتجاهات بالمشاهد والقارئ والواقع.

هكذا يعرض البرنامج لتجارب الكتّاب ومنتجاتهم وميولهم بلغة الكتاب وعلى ألسنتهم. وفيما تعتمد المقدِّمة بركات في حوارها مع الكتاب شارات سير للوصول إلى المُشاهد، تجذب هذا الأخير إلى شرفة تطل على عالم الكتّاب وأعمالهم. وفيما يكشف البرنامج أوراق الكتاب وأعمالهم يضعها بين يدي المُشاهد لتثير لديه فضول القراءة والمعرفة. وعند نقطة اللقاء هذه، يعمل البرنامج لإعادة تعريف أفرقائه: المقدّمة والضيوف والمشاهد.

فالمقدّمة هي الوسيط الذي يستثمر ملكاته وخبراته، الكتابية والنقدية والقرائية، لإيجاد نقطة اللقاء تلك ورعايتها.

والضيوف ليسوا كائنات بعيدة أو تقيم في برج عاجي، إنما هم أناس من هذا الواقع ويتأثّرون به ومبدعون يمتهنون التأليف الذي يسعى البرنامج إلى شرحه وعرضه وتبيان صلته بالحياة المُعاشة.

والمُشاهد ليس مستهلكاً وطالب «ديليفري» لوجبة تلفزيونية خفيفة، إنما هو قارئ ومثقف وربّما كاتب أو مؤلف محتمل.

وإعادة التعريف المفترضة هذه من أجمل ما في برنامج «مطالعات»، إضافة إلى كونه مجلّة متنوّعة. فهو يبدأ بفقرة بصرية تراثية يتحدث فيها كاتب عن قضية تتعلق بالكتابة والأدب والثقافة أو بالحياة. وإذ تحمل كل حلقة عنواناً للحوار الذي تتخلّله، تعرّف بالضيوف، أشخاصاً وكتّاباً، وتتناول آخر منتجاتهم ومضمونها. وتفسح مجالاً تفاعلياً لقارئ يختار كتاباً أو مؤلّفاً يحكي عنه وعن مطالعته له وأثره فيه. وكذلك يفتح نافذة على نشاط هنا وإبداع هناك.

ولعل من جماليات هذا البرنامج انتماءه في الديكور والإيقاع إلى التراث الكلاسيكي للبرامج الثقافية على الشاشات العربية. فعلى الرغم من أن هذا البعد يبدو قديماً ومهجوراً تلفزيونياً، ولعل المشاهد يطلب ما هو أسرع وأحدث منه، إلا أنه من عناصر الهوية التي تحتمل تجديداً وإغناءً.