رمال جوني -

الأزمة غيّرت هويّة المحالّ في النبطية

5 حزيران 2020

02 : 00

بسطة خضار باب رزق الجميع

قُضي الأمر، بات في حكم المؤكّد أن الإفلاس سيطر على كل مقدّرات الناس، ما يطرح إشكالية ماذا بعد إفراغ الجيوب من النقود؟ أي واقع يتهدّد الناس وأي مصير ينتظرهم؟

وقع "الفاس بالراس"، لم يعد ينفع تجميل الحقائق، فالأزمات المتلاحقة أدّت الى ما يتخبّط به الناس، صراع بين "لقمة العيش والبرستيج"، بين دولار مفقود وليرة بلا قيمة.

أفرزت الأزمة واقعاً جديداً يُفترض بالمواطن التعايش معه، بدأ الأخير بسحب بساط الإفراط من بين يديه، دخل في منظومة التقشف، إتّبع سياسة ترشيد الإستهلاك وتحديد الأولويات. فالأزمة برأيه طويلة، وعليه أن يبتكر لها حلولاً طالما لم يعهد دعماً حكومياً له، حتّى مساعدة الـ 400 الف طارت، لم تصله، بقي مُعلّقاً آماله حتى ما قبل فتح البلد، ولكن "عالوعد يا كمّون"، ما بعد الحجر ليس كما قبله، كثر غيّروا هوية أعمالهم وبدَّلوا نمط حياتهم وقلبوا تجارتهم رأساً على عقب، بحث الناس عن "الماشي".

فتاجر الألبسة غدا تاجر خضار، مَنْ لمْ يفتح بسطة خضار في النبطية ومنطقتها؟ تحوّلت المصلحة باب رزق الجميع، فالمواطن لا يشتري إلا الخضار، شُبّان كثر لجأوا الى بيع الخضار هرباً من شبح البطالة، باتت هذه العلّة تؤرقهم، بل تؤرق المجتمع برُمّته، لأن مخاطرها كبيرة، فالعاطل عن العمل يعيش معاناة نفسية خطيرة، يتخبّط في داخله، وقد ينجرّ للسرقة والقتل والمخدرات، لأي شيء بحثاً عن أمان إقتصادي. لا ضير إن قلنا إن نسبة السرقات إرتفعت بشكل خطير في المنطقة، عشرات السرقات تُسجّل يومياً، وفق المعطيات، ومُرجّح إرتفاعها نظراً الى سوء حال المواطن، في نهاية المطاف "بدو ياكل"، وفق ما اشار أحدهم.

لا يهدأ محمد ولا حتى حسين في حركتهما، يحاولان قدر المستطاع تلبية طلبات الزبائن، الشقيقان نشآ على بيع الملابس، كل واحد منهما كان يملك محلاً لبيع الألبسة الرجالية، يُتقنان عملهما، فهما "ولاد الكار" وفق تعبيرهما، الى أن حطّت الأزمة الإقتصادية وحلّ "كورونا"، فقلبا مصلحتهما، حوّلتهما الأزمة الى بائعي خضار. "الحياة بدا تمشي" يقول محمد الذي يرى أنه "لم يجد خياراً آخر أمامه". خبِر تجارة الخضار منذ صغره، فوالده كان بائعاً في بيروت قبل أن يتّجها نحو بيع الملابس. يُدرك أن "الأزمة خطيرة وكان علينا التعايش معها، لكن من دون الإستسلام للبطالة".

يرفض محمد، كما حسين، الإنصياع للأزمة. وفق حسين "لسنا في زمن الخنوع، في حربنا اليوم يُفترض بنا أن نخترع أدوات مواجهتها، إن لم تكن الخضار، ربما قد نلجأ للزراعة، لتربية الماشية أو الدواجن، المهمّ ألّا نجلس في المنزل".

تتطلب حرب الإقتصاد الباردة، إختراع تقنيات لمواجهتها، يعلم القاصي والداني أنها أخطر من الحرب العسكرية، فهي تمسّ المواطن بلقمة عيشه. ربّما يكون أبناء القرى أرحم بكثير من أبناء المدن، يستثمرون أرضهم، حواكيرهم وحتى أسطح منازلهم للزراعة ولتربية المواشي أو حتى لخبز الصاج الذي عادت اليه سيدات الجنوب، لمواجهة الأزمة.

لم يعد أمام حسنية وفاطمة خيار غير الخبز، بات مصدرهما الوحيد بعد توقّف كلّ الاعمال، لم تجدا غير الخبز مهنة جديدة، عاجلتا بشراء الطحين الأبيض والزيرو والخميرة.

مع ساعات الفجر الأولى تتسلّلان الى تلك الغرفة، تنطلقان في إعداد العجين في وعاء نحاسي كبير، تعجنانه جيداً قبل تقطيعه وتركه ليرتاح حتى الصباح، لتبدأ دورة الحياة معهما. ترى حسنية في عملهما "إنقضاضاً على الفقر"، وتجزم بأن "الناس سيعودون لخبز الصاج كما السابق، فالأزمة لم تترك أحداً".

وتعتبر فاطمة أن "عملها في الخبز بمثابة سياسة تصالح مع حياتها، تُفضّل التعب على شحذ لقمة العيش، تُدرك أن الأزمة قاسية وأن الظروف تقسو عليها أكثر، أسوة بباقي الأهالي.

بنظرها الخبز أشبه بواقعها القاسي، يحتاج الى الرقّ وتدوير زواياه، لا ينجح فيه إلا من خبره عن ظهر قلب، وعشق لعبته، وإلا يفشل".


MISS 3