عماد موسى

باضَ الديك

21 تشرين الثاني 2023

02 : 00

قبل أعوام بعيدة، نشرت صحيفة عربية في صفحة الغرائب خبراً عن مواطن ريفي يملك مزرعة صغيرة، راودته الظنون بأن ديكه الشرس الطباع القوي الشكيمة الحاد الصياح المسكون بهاجس الجنس... يبيض. حمله وذهب به إلى طبيب بيطري لاستشارته. حدّق البيطري في الديك «محروس» من دون أن يأخذ الموضوع على محمل الجد، فعاد الرجل إلى بيته وقرّر عزل ديكه المزهوّ بعرفه الطويل وأرياشه الطاووسية، لقطع الشك باليقين. وكان أن باض الديك بعد 24 ساعة وكرّر فعلته بعد يومين وثلاثة وأربعة من دون خجل. في وقت لاحق أُخضع الديك لمعاينة دقيقة ليتبيّن أن تكوينه البيولوجي يسمح له بالإباضة. نزل الديك/ الفحل/ الذكر/ المغرور من عيني صاحبه. أفهمُه تماماً لا بل أعذره إن أقدم بعد الفضيحة على غسل العار بذبح «محروس» ونتفه وسلقه وتحويله إلى شورباء.

للديك مكانته الرمزية في التقويم الصيني، وهناك خمسة أنواع من الديكة التي تسمّى الأعوام بأسمائها: المائي والخشبي والناري والأرضي والمعدني. آخر سنة ديك امتدّت من 28 كانون الثاني 2017 حتى 15 شباط 2018. يومها كان الجنرال عون «مديّك» في قصر بعبدا، علماً أن لبنان نال استقلاله في سنة العنزة وها نحن نحيي العيد الثمانين لاستقلالنا المجيد في الربع الأخير من سنة الأرنب.

يوم العيد غداً، سترفع البلديات المقتدرة، لافتات جديدة ومنقّحة تجسّد أرفع المعاني الوطنية وأسماها بمفردات وعبارة هي مزيج من البلاهة والتسطيح والتزلّف، فيما سترفع البلديات الواقعة تحت خط الفقر الدعاء إلى الله سبحانه وتعالى. وطموح أي رئيس بلدية في أي بقعة وأي بيئة، حاضنة ومش حاضنة، أن يستعرض ثلة من الحرس البلدي على وقع الأناشيد العسكرية والدينية اللبنانية والفلسطينية والإيرانية.

في العيد غداً، يستعيد نصف المعلّقين ونصف السياسيين ونصف مذيعي الأخبار ونصف صنّاع الرأي بيتاً قاله المتنبي في القرن العاشر بهجو كافور الإخشيدي: «عيد بأية حال عدت يا عيد/ بما مضى أم بأمرٍ فيك تجديد». والنصف الآخر ينتظر عيد رأس السنة ليدلي بدلوه الشعري في الأسواق الحزينة. وحدها سوق عكاظ مزدهرة.

في العيد الثمانين، يصرف معظم اللبنانيين فعل التكاذب في المدارس. في المصانع. في الكنائس. في الجوامع. في الجامعات. في الطرقات في الساحات، في الأقضية، في كل منتدى ويستلهمون جماعات وأفراداً المعاني والعِبر. أما «الحزب القائد» فشغله تفصيل استقلال على مقاس عقيدته الجهادية لا يمتّ إلى استقلال 1943 بصلة.

في العيد الثمانين خذ على مراجل ديكة، وأكثرها عنفواناً ورغبة في القتال، تصيح في العلن وتبيض في السر، مثل «محروس»، وليت بيضها ذهب.


MISS 3