جو حمورة

ثِق بالأرقام لا بالتصريحات... "البيزنس" وغزة

21 تشرين الثاني 2023

02 : 00

أردوغان خلال زيارته برلين يوم الجمعة الماضي (أ ف ب)

تغشك التصريحات أحياناً، أما الأرقام فنادراً ما تكذب. خذ رجب طيب أردوغان على سبيل المثال حين قال في 15 تشرين الثاني إنّ «إسرائيل دولة إرهابية». ممتاز. موقف حازم وجازم وعالي النبرة من رئيس الجمهورية التركية. لكن خذ، في الوقت نفسه، بيانات التجارة بين إسرائيل وتركيا، ترى أن 259 سفينة تجارية أبحرت من موانئ تركيا إلى إسرائيل منذ بداية الحرب في قطاع غزة وحتى 14 تشرين الثاني.

السياسة وتصريحاتها خدّاعة غالباً، والرياء عملة الساسة. وعلى الرغم من كلّ الأحداث والتصريحات والضوضاء التي تُثيرها، يبقى الربح أهمّ من المواقف والمبادئ، فيما «البيزنس» يستمرّ ويتمدّد. نعتذر، في المناسبة، من الشاعر أبو تمّام الطائي الذي قال يوماً إنّ «السَّيْف أَصْدَقُ إنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ». إنّ الأرقام أصدق إنباءً من الكلام على المنابر... وليس أردوغان وبلاده وحدهما من يكذبان!

الرئيس المصري «يجاهد ويكافح» من أجل إنقاذ الجرحى في قطاع غزة ونقلهم إلى مستشفيات بلاده، ويتهجّم، بين الحين والآخر، على خرق إسرائيل القانون الدولي الإنساني وممارساتها العسكرية «الفظيعة» في القطاع. هذه العدائية الخدّاعة لإسرائيل من قِبل عبد الفتاح السيسي تُكذّبها الأرقام عندما تزيد مصر، منذ بداية الحرب، من شراء الغاز الإسرائيلي بنسبة 60 في المئة بالمقارنة مع الأشهر الماضية.

في عالم السياسة والحرب، من يثق بالتصريحات فقط مُضلّل أو ساذج، أو ربّما الإثنان معاً. وحدها الأرقام تغربل الحقيقة من الكذب، كما الصُدق من الدعاية التضليلية والبروباغندا. لا لوم على الساسة والعسكر إن كذبوا، فالشعوب لا تُحاسب جدّياً إلّا في ما ندر.

إن «الحرب خدعة» وكلّ شيء مباح في الحرب، كما يقول علماء الحرب والاستراتيجيا. أترى إن خيضت حرب إسرائيل مع حركة «حماس» من دون كِذب هل كانت ستكون أجمل وأنقى؟ أم أن الحرب، ككلّ حرب، لا تحمل إلّا السيّئات؟

ماذا لو قيلت الحقائق حول ما يجري في قطاع غزة من دون مواربة. ماذا لو قيل للجمهور إنّ تركيا لا تُريد إلّا أن يكون لها دور في المفاوضات بين المنظمات الفلسطينية وإسرائيل، فتكسب نفوذاً إضافيّاً ودوراً جديداً يُعطيها مكانة إقليمية تُعوّض عن نفوذها المتراجع في الشرق الأوسط؟ ماذا لو قيل إنّ مصر تُغلق معبر رفح عن قصد ولا تُريد أن تتحمّل أي تهجير فلسطيني إلى أرضها، لو مهما كانت فاتورة الدم باهظة على سكان غزة؟ ماذا لو قيل، مثلاً، إنّ إيران لا تتجرّأ ولا تُريد التدخّل الجدّي في الحرب وتتمنّى أن تستكمل المفاوضات مع الغرب حتّى لو مات مئة ألف فلسطيني؟

من يدري، ربّما ليست وظيفتنا قول الحقائق، والأفضل الاكتفاء بوصف الأحداث وتحليلها. الحقائق صعبة ومرهقة، فيما التعليق على التصريحات والبيانات أسهل وأقلّ ضرراً علينا وعلى الجمهور والساسة وحتّى قادة الحروب.


MISS 3