إثر انتشار مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف وقراءته من المعنيين به ملياً، يمكن القول إنّ صورة الانقسام بين المصرفيين بدأت تتظهر تدريجياً لتشير الى ثلاث فئات مختلفة يربطها خيط رفيع.
وعلمت «نداء الوطن» أنّ المشروع الحكومي الذي ينتظر إقراره في مجلس الوزراء لإحالته الى مجلس النواب، أثار نقاشات حادة ينتظر ان تعلن جمعية المصارف بعض نتائجها قريباً. في الانتظار يمكن الإشارة الى الآتي:
أولاً- كما نشرت «نداء الوطن» الجمعة الماضي، هناك من بدأ هجوماً مبرمجاً على مشروع القانون، وأعدّ العدّة لزيادة الضغط النيابي والإعلامي، وخصّص لذلك الأدوات اللازمة. هذا الفريق من المصرفيين، الذي يعتدّ بصداقات وتحالفات مع نواب نافذين، يتمسّك بخوض معركة تحميل الدولة المسؤولية عن الودائع حتى النهاية، على أن يبقى محتفظاً بمصارفه مع استعداد لبعض الرسملة.
وسيقاتل أصحاب تلك المصارف بشراسة للحفاظ على مكتسباتهم، ولترك المواجهة بين الدولة والمودعين حتى لو أخذت أبعاداً دراماتيكية، علماً أنّ هذه الفئة لا تعارض ضمناً شطب جزء من الودائع تحت مسميات مختلفة، لكنها تعارض فكرة تحويل ودائع الى مساهمات مصرفية، لأنّ ذلك يفقدها السيطرة الكاملة على الملكية.
ثانياً- هناك فريق من المصرفيين يعارض مشروع القانون أيضاً، لكنّه لن يخوض حرباً شرسة ضده، بل سيترك الأمر لتصفية المصارف التي يملكها، إذا استطاع ضمان عدم تحميله أي مسؤولية تطال ثرواته الشخصية. هذا الفريق يعرف أنّ العمل المصرفي أصبح صعباً جداً في لبنان وأنّ الأرباح الخيالية التي كانت تتحقق ذهبت الى غير رجعة، فإذا نفد بثروته سيترك مصرفه عرضة للتصفية أو الدمج مع بنوك أخرى قابلة للاستمرار.
ثالثاً- بين المصرفيين من هم أكثر مسؤولية من غيرهم، وسيفاوض هؤلاء لتحسين شروط مشروع القانون، مع رغبة حقيقية في إعادة الرسملة والتزام الحدّ الأدنى المضمون للمودع الواحد (100 الف دولار)، مع إمكان الالتزام بأكثر من ذلك، إذا أقرّ صندوق استرداد الودائع، متضمناً اقتطاع جزء من الأرباح المصرفية السنوية لتكون بين ايرادات ذلك الصندوق العتيد. وهذه الفئة (المسؤولة) من المصرفيين تزعج الفئة الأولى الجشعة التي هي أعلى صوتاً وأكثر شراسة وتتصدر المشهد بما تملكه من وسائل ضغط ووسائط تأثير.
تجدر الإشارة الى أنّ الهجوم على مشروع القانون شمل نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، علماً أنّ المشروع من إعداد لجنة الرقابة على المصارف ومصرف لبنان وصندوق النقد الدولي، ولا علاقة للشامي بتفاصيله القانونية.
وبناء عليه، سيجد نواب حلفاء للمصرفيين (ولو سراً) أنفسهم أمام التحدي، لأنّ المشروع مرتبط بإقرار مشروعي قانوني «الكابيتال كونترول» وإعادة الانتظام الى النظام المالي، ويشترط تنفيذهما تعديل جديد لقانون السرية المصرفية. كما أنه يحظى بموافقة صندوق النقد الدولي، فأي تعديل جوهري فيه سيؤكد مجدداً أنّ «الاتفاق مع الصندوق مات... وشبع موتاً».