جواد بولس

لا... لم تأفل نجوم الأحزاب (٢)

9 حزيران 2020

02 : 00

في النبذة الأولى أخشى أن البعض قد يكون اعتبرني هازئاً أو تهكمياً حول العملية الانتخابية. الأمر يجانب الحقيقة. إن الناخبين قد يتصرفون أحياناً بطرق عصية عن التوقع، وقد يغدو بالإمكان أن يعاكسوا التوقعات والكثير منهم يفعل ذلك. لطالما كانت في لبنان نزعةٌ إلى استحالة المستحيل. رغم كل ذلك أريد لنا أن نتجرد من الوهم. علينا أن نفهم جيداً دينامية الناخبين، حركيتهم إن كنا ننشد تغييراً. لأني اؤكد لكم أن أولئك الذين يعارضون التغيير النافع والضروري يعون جيداً ديناميات ناخبيهم.

علينا أن نفهم أن الناخب الجائع في بيئةٍ حضرية مكتظة سيكون مدفوعاً للتخلي عن المبادئ والمزايا الاجتماعية مقابل ضمان رغيف يضعه على الطاولة. أو أن فرداً في عشيرة على الحدود الشرقية سيضع جانباً رغبته في حكم القانون لضمان شبكة التهريب التي تتيح له الاستمرار في جني لقمة عيشه.

أو أن ذاك الشاب المثقف الذي يمتلك والده مقلعاً غير شرعي قد يدفن مخاوفه من حكم الفاسدين ويمتنع عن التصويت لمرشح يُعلي شأن القانون والنظام.

وقد يحدث أن هؤلاء الثلاثة كانوا في الشوارع أخيراً، متّحدين في الثورة... إلا أن أم الأسئلة تبقى؛ حين يحين وقت الحسم كيف سيصوتون؟ هل يكسرون الأنماط الماضية؟ هذه أولى أمنياتي!

إذاً ما هي الثوابت انطلاقاً من كل ما سلف؟ أسوق ستّاً منها وهي حتماً لا تحوط كل شيء:

- أولاً، الثورة: لنكن واضحين. إن الاستبلشمنت السياسية الحالية هي نظام متجذرٌ مموَّل يقوم على الاستفادة من قواعد الناخبين. وله من بينهم شعبية غير قليلة. إنّ مجرد فكرة أن هذه الاستبلشمنت، بناسها وأحزابها وتياراتها ستختفي بين ليلةٍ وضحاها ليست إلا أمنيات. الهدف الموضوعي يكون بإدخال قطاع إصلاح معتبر إلى المجلس النيابي، يراقب النظام ويجفف عناصره الأكثر سمّاً داخل الاستبلشمانت كخطوة أولى.

- ثانياً، أن ندرك حجم موجة الاستياء العارمة بل نوجهها انتخابياً لصالح الخير العام، ونحوط بغضب وخوف مجتمعاً يزداد فقراً، فنترجم ذلك أصواتاً لصالح الإصلاحيين في مختلف الدوائر الانتخابية. وهذا يعني أن نصوغ رسالةً منسّقة على مدى الدوائر ونطوّر برنامجاً سياسياً له مصداقية، يتشاركه الجميع بناءً على هذه الأسس.

- ثالثاً، أن نفهم أن تطبيق إصلاح تغييري حقيقي لا يمكن الحدوث في حضرة السلاح. ذلك أن الإصلاح يعني تعزيز حكم القانون وحيث يتعارض القانون مع مصالح أهل السلاح، فإن السلاح سينتصر في جولته على القانون. عاجلاً، ستتجه مصالح اولئك المنتفعين من الفساد لتقبع في خندق واحد مع حملة السلاح. صحيح أن وعي هذه الحقيقة لن يزيل السلاح بسحر ساحر، إنما علينا أن نكون واضحين إن مصداقية اي برنامج إصلاحي تنعقد على مخاطبة مسألة السلاح وإن اي برنامج لا يرسي هذا المبدأ بشكل واضح وبارز لا مصداقية له.

- رابعاً، دور النخبة المتمولة: السياسة تكلّف مالاً وهذا واقع عالمي. في لبنان، السياسة تكلّف مالاً كثيراً. وطالما أن الطبيعة تكره الفراغ، فإنه حتى لو قرر المجتمع المدني عدم تمويل السياسة، سيظل لهذه الأخيرة من يموّلها؛ من مغامرين يتطلعون إلى أرباح مادية مقابلة لما يستثمرونه من مال كي "يشتغلوا سياسة"، من أهل الاستبلشمنت الذين يملكون المنافذ على خيرات البلاد، المال العام والخدمات، واخيراً من حكومات خارجية لها مصالحها الخاصة التي لا تتقاطع مع مصلحة البلد. لطالما اختارت النخب المالية في لبنان أن تتشارك الفراش مع من هو في السلطة، أيّاً كان، من أجل صيانة مصالحها بدلاً من استثمار مواردها في صناعة بيئة سياسية تبني البلد ونظامه على مدماك سيادة الدستور والقانون... التغيير اليوم يتطلب أن تموّل النخب المتمولة الحراك السياسي أو العملية السياسية بدلاً من تمويل السياسيين طمعاً بحمايات أو منافع، (مراكز الابحاث، الصحافة والاعلام، الحركات الشعبية المحلية، الخ.)، لقد اكتشف العديدون كم قد يكون ذلك مجدياً بفضل انتفاضة تشرين.

- خامساً، تشجيع الشباب الأكفاء على دخول معترك السياسة والعمل في الشأن العام. ولذلك وسائل وطرق. وهناك عامل حاسم مشجع على ذلك اليوم، ذلك ان هؤلاء الشباب لم يعد بإمكانهم الهجرة بالسهولة التي كانت متاحة. فلا خيار لهم إن ارادوا أن يحسنوا أوضاعهم، إلا الانخراط في الشأن العام لأن الأبواب والنوافذ المشرفة على العالم باتت مغلقة في وجوههم !

- سادساً، إيلاء النساء والشباب الدور الحاسم في قيادة التغيير. هاتان الشريحتان هما نبض التغيير ومحركه الحقيقي. هي حقيقةٌ قد أثبتتها الانتفاضة، والأكثر أهمية منها كان إعطاء الشباب من كل أنحاء لبنان فرصة الاندماج معاً في هذه الانتفاضة، فكان حدثاً مؤسساً لمّا ينتهِ، لتساقط حتمي لخطوط الطوائف التي صادرتها الأحزاب، لا سيما مع مشاركة أبناء المناطق التي تخضع لهيمنة السلاح.

ثمة نقاط أخرى، الكثير منها، لكنها دعوة لاختيار الطريق الآن إن كنا نريد أن نصل...


MISS 3