جوزيف حبيب

خطيئة "بيرل هاربر" وخيبة "مقابر التاريخ"!

1 كانون الأول 2023

02 : 00

كيم مُحاطاً بمسؤولين كوريين شماليين خلال احتفالهم الخميس الفائت (أ ف ب)

يجمع الزعيم الشيوعي الكوري الشمالي كيم جونغ أون، حفيد مؤسّس «جمهورية كوريا الديموقراطية الشعبية» ورئيسها «الأبدي» الراحل كيم إل سونغ، بين «خرافات» سلالة كيم و»المخاطر النووية» التي تطرحها بلاده المعزولة عن العالم، وكلاهما يصبّان في خانة إضفاء الشرعية على نظامه البائد. إنّه «رجل الصاروخ» كما كان يحلو لترامب أن يسخر منه، قبل أن يلتقيا ويتبادلا رسائل المودّة «الرائعة»... ويقعان في الحب الذي لم يُكتب له النجاح.

الأساطير المرتبطة بكيم وأسلافه، قد تُسعفه في ترسيخ ديكتاتوريّته وبثّ الرعب في صفوف شعبه، لكنّها بالتأكيد لن تُجدي نفعاً مع تحدّيات القرن الحالي، بيد أن نجاح «مغامرة» كوريا الشمالية في وضع القمر الاصطناعي التجسّسي «ماليغيونغ 1» في المدار، بمساعدة روسية بعد محاولتَين فاشلتَين، يُحسّن قدرات بيونغ يانغ على جمع معلومات جيوستخباراتية، إن صحّ التعبير، وتوفير بيانات حيوية تمهيداً لأي حرب مستقبلية وخلالها.

منذ وضعها «ماليغيونغ 1» في المدار، تباهت كوريا الشمالية مراراً بما التقطه قمرها التجسّسي من صور لقواعد عسكرية أميركية رئيسية في جزيرة غوام الاستراتيجية في غرب المحيط الهادئ، وصور لقاعدة «بيرل هاربر - هيكام»، البحرية - الجوّية المشتركة في هونولولو، وأخرى لحاملة الطائرات الأميركية «يو أس أس كارل فينسون» التي تعمل بالدفع النووي في قاعدة بوسان البحرية في كوريا الجنوبية، فضلاً عن مناطق مختلفة في الجارة الجنوبية حيث تتمركز قواعد عسكرية أميركية وكورية جنوبية.

صحيح أن بيونغ يانغ تُريد بعث «رسالة ردعية» إلى أعدائها في واشنطن وسيول وطوكيو، بأنّ «وجهة» صواريخها الباليستية العابرة للقارات القادرة على حمل رؤوس نووية، باتت أكثر دقة من أي وقت مضى، ويهدف النظام الشيوعي بذلك إلى «حماية» نفسه من الزوال بأي «عدوان» خارجي من خلال الظهور بموقع «الجبار» الذي يستطيع الوصول إلى أراضي الدول المعادية وضربها، إلّا أنّ رمزية «رسالة بيرل هاربر» تبقى الأكثر إثارة ودهشة على الإطلاق، رغم امتهان بيونغ يانغ مفاجأة المعمورة بأفكارها «المذهلة».

نُقل على لسان الأميرال الياباني إيسوروكو ياماموتو، العقل المدبّر للهجوم الشهير على قاعدة «بيرل هاربر»، قوله بعد شنّ الاعتداء الذي راح ضحيّته أكثر من 2400 أميركي: «أخشى أنّ كلّ ما فعلناه هو إيقاظ عملاق نائم وملؤه بتصميم رهيب». ورغم أنّ هذا القول المنسوب لياماموتو يبقى موضع تشكيك عند المؤرّخين، إلّا أنّ العبرة منه تبقى ماثلة في أنّ هذا الهجوم أخرج «المارد الأميركي» من «انعزاله» وأدخله الحرب العالمية الثانية، ما أدّى إلى تغيير مجراها وقلب موازين القوى فيها رأساً على عقب.

لسخرية القدر أنّ التدخل الأميركي آنذاك وضع حدّاً لحقبة «الاستعمار الياباني» الذي كانت شبه الجزيرة الكورية أكثر من عانى منه، بينما تبدو بيونغ يانغ اليوم وكأنّها تُكرّر، ولو تلميحاً حتّى اللحظة، «خطيئة» اليابان المميتة في حقّ من ساهم في «تحريرها» من قيود العبودية. إنّ الهجوم المُباغت على قاعدة «بيرل هاربر» صباح ذاك الأحد في السابع من كانون الأوّل 1941، نسف مسيرة «الأمبراطورية» اليابانية ومطامعها، فهل تُطلق الإشارة «التهديدية» إليها بداية - نهاية نظام بيونغ يانغ؟ إنّها قضية جيوستراتيجية متشعّبة ومعقّدة، وأعمق من مسألة فكّ «رموز تاريخية».

لا شكّ في أنّ ما بعد إطلاق «ماليغيونغ 1» ليس كما قبله، فيما بدأت مؤشّرات «تدهور» في العلاقات بين الكوريّتَين تظهر جليّاً مع تعليق سيول جزئيّاً العمل باتفاق العام 2018 الهادف إلى تخفيف التوترات عند الحدود المشتركة، لتُسارع بيونغ يانغ إلى الردّ بإقامة نقاط حراسة وأبراج مراقبة حدودية كانت قد أزالتها، ما يرفع أخطار اندلاع نزاع في المنطقة، وتالياً المخاوف من احتمال استخدام الأسلحة النووية وسط بيئة أمنية إقليمية ودولية مضطربة.

في ظلّ نظام يعشق الألقاب الفضفاضة ويحترف «قذف» الشعارات الرنانة والاستهزاءات اللاذعة والعبارات النابية، التي لا تُشبع أمعاء خاوية وسط بلاد تُعاني فقراً مدقعاً، لم يكن غريباً البتة في أثناء احتفال كيم وعقيلته وابنته وعلمائه بـ»عصر جديد من القوّة الفضائية» الخميس الماضي، ارتداء الحاضرين، باستثناء كيم، قمصاناً كُتبت عليها عبارة «ناتا»، الاسم الجديد لوكالة الفضاء في البلاد، ما بدا استنساخاً شكليّاً باهتاً لاسم وكالة الفضاء الأميركية «ناسا»! وهنا يتبدّى مزيج قاتل من «الضغينة والحسد» الذي يدفن أصحابه في «مقابر التاريخ» من دون إطلاق ولو رصاصة واحدة!


MISS 3