نيكولا بورسييه

أردوغان... حليف الغرب المتمرّد

2 كانون الأول 2023

المصدر: Le Monde

02 : 00

اردوغان في قمة الناتو في مقر الحلف في بروكسل / بلجيكا - 14 حزيران 2021

في شهر تموز الماضي، قبل بضع ساعات على افتتاح قمة الناتو السنوية في فيلنيوس، ليتوانيا، ابتسم أمين عام الناتو، النروجي ينس ستولتنبرغ، قبل أن يقوم بإعلان فاجأ الحاضرين، فقال إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وافق للتو على وقف اعتراضه على ترشيح السويد للانتساب إلى حلف الناتو. اعتبر الدبلوماسي النروجي ذلك اليوم «تاريخياً»، وصفّق له الرئيس الأميركي جو بايدن فوراً قبل أن يشيد بدبلوماسية نظيره التركي، وشجاعته، وحسّه القيادي.

بعد يومَين، قال أردوغان عند انتهاء القمة في 12 تموز: «بحلول الخريف، عند استئناف الجلسات التشريعية، سيطرح رئيس البرلمان [التركي] بروتوكول انتساب ستوكهولم على التصويت. نريد أن تنتهي هذه المسألة في أسرع وقت ممكن».

مرّت الأشهر واتّضح الواقع للجميع: لم تصادق تركيا بعد على قرار انتساب السويد، ويبدو موعد تنفيذ أنقرة لوعدها مبهماً حتى الآن. أرسل الرئيس التركي بروتوكول الاتفاق إلى البرلمان في نهاية تشرين الأول. لكن قررت لجنة الشؤون الخارجية، التي تطغى عليها جماعة الرئيس المنتمية إلى «حزب العدالة والتنمية»، تأجيل مناقشة نص الاقتراح، في 16 تشرين الثاني، من دون تحديد أي تفاصيل إضافية. لم يقدّم المعنيون أي تفسير حقيقي لما يحصل. ثم تبيّن بكل بساطة أن نواب «حزب العدالة والتنمية» قدموا مذكرة مفادها أن المفاوضات مع ستوكهولم «لم تنضج بما يكفي». أعلن رئيس اللجنة، فؤاد أوكتاي، أمام الصحفيين لاحقاً أن السفير السويدي قد يتلقى دعوة لحضور الجلسة المقبلة وتقديم معلومات إضافية حول التدابير التي اتخذها بلده لمراعاة مخاوف تركيا على المستوى الأمني. لكن لم يحصل أي تقدّم في المرحلة اللاحقة.

الأمر المؤكد الوحيد هو أن السلطات التركية أبلغت الناتو بأن التصويت لن يحصل قبل اجتماع وزراء خارجية الحلف في بروكسل، في يومَي الثلاثاء 28 والأربعاء 29 تشرين الثاني. إنه موقف غريب من تركيا التي تُعتبر جزءاً من الناتو، في المبدأ، لكنها توحي بأنها تريد أن يعرف الآخرون في جميع المناسبات أنها حليفة صعبة وعنيدة ولا تهتم إلا بتحقيق مصالحها أو زيادة مكاسبها لأقصى حد، فتحرص على الكشف عن تناقضاتها الخاصة واستنزاف صبر حلفائها الاستراتيجي.

إنعدام ثقة وخلافات مستمرة

قد يصادق النواب الأتراك على انتساب السويد إلى الناتو بمعدل 141 صوتاً مؤيّداً، أي أكثر من نصف عدد النواب المُنتَخبين من «حزب العدالة والتنمية» بقليل. يملك هذا الحزب ما مجموعه 267 مقعداً (يصل هذا العدد إلى 322 مع الحلفاء الإسلاميين والقوميين المتشددين) من أصل 600 عضو في البرلمان. يقول مستشار في البرلمان التركي: «نظرياً، يكفي أن يقوم الرئيس باتصال بسيط لإقرار هذا النص فوراً».

يوضح كريستوف ستراشوتا، خبير في الشؤون التركية في معهد الشرق الأوسط، في واشنطن: «لا يسهل أن نفهم أردوغان، لكن يجب أن نحاول فهمه في هذا الملف بالذات. قد تكون مسألة السويد أوضح مثال على العلاقة المعقدة التي تجمع أنقرة بحلف الناتو والولايات المتحدة. جاءت مسألة انتساب ستوكهولم إلى الحلف لتسلّط الضوء على انعدام الثقة بين الطرفين ووفرة الخلافات والمصالح المتناقضة التي تراكمت بكل وضوح في السنوات الأخيرة بين تركيا وحلفائها الغربيين».

يضيف ستراشوتا: «انتشرت على نطاق واسع الفكرة القائلة إن أعضاء الحلف لا يقيّمون مستوى المخاطر التي تتعرض لها تركيا، أو حتى يسيئون معاملة حليفتهم الشرقية. من وجهة نظر أردوغان والمقرّبين منه، يطبّق الحلفاء الغربيون سياسة معادية لتركيا في ساحات متنوعة مثل الشرق الأوسط، فهم يدعمون مثلاً القوات الكردية في شمال سوريا، أو اليونان في منطقة البحر الأبيض المتوسط. هم يسيئون أيضاً إلى مصالح تركيا الاستراتيجية عبر منع تحديث جيشها ورفض تسليمها أحدث الطائرات المقاتلة. لا تُعتبر السويد أساسية على مستوى الأمن التركي، لكن من الواضح أن الرئيس أردوغان يستعملها كورقة ضغط أو وسيلة للمقايضة ويعتبرها فرصة لإعادة ضبط العلاقات مع حلف الناتو وواشنطن، وهو هدف يعطيه الأولوية منذ إعادة انتخابه في أيار الماضي لكنه لم ينجح في تحقيقه بالدرجة المطلوبة حتى الآن».

إفتعل أردوغان بنفسه وضعاً غير مألوف داخل الناتو بعد تدهور علاقته مع الحلف نتيجة شراء نظام الدفاع الروسي «إس-400»، في العام 2017، مقابل 2.5 مليار دولار. كذلك، تعرّض الرئيس التركي للانتقادات بسبب علاقته الغامضة مع «صديقه العزيز بوتين»، وسرعان ما شكك الكثيرون بمصداقيته. وحتى ينس ستولتنبرغ، الذي لم يكفّ عن اعتبار أنقرة «حليفة قيّمة»، اضطر للاعتراف بعد ثلاث سنوات بوجود «مشكلة تركية» داخل الناتو. يقول دبلوماسي في الحلف: «ثمة فيل في الغرفة، وهو يزداد ضخامة مع مرور الوقت» (في إشارة إلى حجم المشكلة التي تطرحها تركيا). سرعان ما انتشرت هذه الاستعارة في أروقة الحلف.

مسألة توازن

تنفّس المسؤولون الصعداء مجدداً مع عودة أردوغان السريعة إلى أحضان الناتو بعد بدء الحرب الروسية في أوكرانيا، فقد وصفها الرئيس التركي فوراً بالاعتداء «غير الشرعي». في المرحلة اللاحقة، بدأت مفاوضات شاقة مع البيت الأبيض بشأن انتساب السويد إلى الناتو، ورفع الفيتو التركي عن هذا القرار، وربط هذه الخطوة بتسليم الطائرات المقاتلة التي طلبتها تركيا من طراز «ف - 16».

في شهر حزيران، أكدت إدارة بايدن على استعدادها لتسليم أربعين طائرة من هذا النوع إلى تركيا، لكنها ذكرت أيضاً ضرورة أخذ موافقة الكونغرس، وهو شرط لا تقبله أنقرة. يتّضح التوازن الصعب، أو حتى المحرج، الذي يحاول الرئيس التركي إقامته بين موسكو وواشنطن في هذا المجال بالذات. في شهر حزيران أيضاً، منذ اليوم الثاني لعملية التمرد الفاشلة التي أطلقها يفغيني بريغوجين وقوات من مجموعة «فاغنر» في روسيا، يوم السبت 24 حزيران، كان أردوغان من القادة القلائل وعضو الناتو الوحيد الذي اتصل ببوتين للتأكيد على دعمه له.

بعدما مدّت أنقرة يدها إلى الرئيس الروسي، التفتت مجدداً إلى الغرب وأوكرانيا. أعلن أردوغان موافقته على توسيع حلف الناتو، وقابل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في اسطنبول. في غضون ذلك، وصل وفد من الكونغرس الأميركي إلى تركيا، وخاض البلدان تدريبات مشتركة في شرق البحر الأبيض المتوسط.

أردوغـــــان لاعـــــب أســـــاســـــي

يحمل أي تقارب من هذا النوع أهمية كبرى، لكنه ليس عاملاً حاسماً. غالباً ما يبذل أردوغان جهوداً لاحقة لتحسين علاقته مع موسكو. في 4 أيلول، قابل الرئيس التركي نظيره الروسي فلاديمير بوتين في مدينة «سوتشي»، فحاول إقناعه بالعودة إلى اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية الذي انسحب منه الكرملين في تموز، وناقش معه وضع جنوب القوقاز، عشية العملية التي أطلقتها أذربيجان في ناغورنو كاراباخ.

على صعيد آخر، تُعتبر التجارة جزءاً من المسائل المؤثرة. ضاعفت تركيا وروسيا تبادلاتهما التجارية منذ بداية الحرب. بعد بضعة أسابيع، ذهب الرئيس التركي إلى حد التصريح بأنه يثق بروسيا أكثر من الغرب، خلال مقابلة أجراها في نيويورك مع صحفي من القناة الأميركية «بي بي إس».

يقول هنري باركي، عضو سابق في وزارة الخارجية الأميركية، وهو مولود في اسطنبول وخبير في مجلس العلاقات الخارجية: «أردوغان لاعب مؤثر يحاول دوماً تحقيق مكاسب إضافية. هو يسعى إلى طرح نفسه كصانع ملوك ومثير للمشاكل في آن على الساحة الدولية. لكن يجب أن يحذر من المبالغة في تصرفاته، إذ يرتفع احتمال أن يُحوّل فرصة استراتيجية كبرى إلى نقطة ضعف خطيرة. أنتج موقفه الأخير من حركة «حماس» [اعتبرها «مجموعة من المحررين» في 25 تشرين الأول] ردود أفعال سلبية وأقصاه من جميع المفاوضات».

يُذَكّر باركي بأهمية دور تركيا لأنها جزء من حلف الناتو، ثم يختم قائلاً: «ستنضم السويد إلى الناتو بطريقة أو بأخرى، وسيضطر أردوغان لتقبّل هذا الواقع لأن ثمن فشل هذه الخطوة سيكون باهظاً. يوم الإثنين 27 تشرين الثاني، في بروكسل، ذكر ينس ستولتنبرغ بكل بساطة أن الوقت حان كي تنهي تركيا عملية انتساب السويد».


MISS 3