الطعام الحار مؤلم أحياناً لكن ما مدى خطورته؟

02 : 00

لكل شخص قدرة معيّنة على تحمّل المأكولات الحارة. يحب البعض شعور الحرقة، بينما يعجز البعض الآخر عن تحمّل هذا المذاق اللاذع. لكن لا يُجمِع العلماء حتى الآن حول تأثير هذه المنتجات على الصحة، سواء كان ذلك الأثر إيجابياً أو سلبياً. قد تشير المأكولات الحارة إلى منتجات غنية بالنكهات المشتقة من التوابل (مثل الكاري الآسيوي، أو الأطباق المكسيكية، أو وصفة بابريكاش المجرية)، أو أغذية ذات مذاق حار قوي بسبب مادة الكابسيسين الكيماوية الموجودة بدرجات متنوعة في الفلفل الحار.

تحمل مادة الكابسيسين مذاقاً حاراً لأنها تُنشّط بعض المسارات البيولوجية لدى الثدييات، كتلك التي تنشّطها درجات الحرارة الساخنة. قد يدفع الألم الذي تُسببه المأكولات الحارة بالجسم إلى إطلاق الأندورفين والدوبامين، ما يعطي شعوراً بالراحة أو حتى درجة من النشوة.

لا تُعتبر مسابقات أكل الفلفل الحار أو تحديات المأكولات الحارة جديدة، لكنها تطورت مع مرور الوقت من حيث مستوى المذاق الحار وشعبية هذه المنتجات على مواقع التواصل الاجتماعي.

آثار صحية قصيرة الأمد

تتعدد آثار استهلاك المأكولات الحارة على المدى القصير، وهي تتراوح بين التلذذ بالمذاق الحار والشعور بحرقة مزعجة على مستوى الشفاه واللسان والفم. كذلك، قد تُسبب هذه المأكولات أنواعاً مختلفة من الاضطرابات الهضمية ونوبات الصداع والتقيؤ.

إذا كنت تنزعج من تناول المأكولات الحارة أو تواجه أعراضاً مزعجة بسببها، مثل الصداع النصفي، ووجع البطن، والإسهال، من الأفضل على الأرجح أن تتجنب هذه الأصناف. قد تُسبب المنتجات الحارة هذه الأعراض لدى المصابين بأمراض التهابية في الأمعاء مثلاً.

بعيداً عن التحديات الرائجة اليوم، يُعتبر استهلاك المأكولات الحارة جزءاً من أسلوب حياة شعوب كثيرة حول العالم، ويتأثر هذا الأسلوب التقليدي بعامل الجغرافيا والثقافة عموماً.

ينمو الفلفل الحار في المناخات الساخنة مثلاً، ما قد يفسّر السبب الذي يدفع ثقافات كثيرة في تلك البيئات المناخية إلى استعمال المنتجات الحارة لطبخ الأطباق. تكشف بعض الأبحاث أن المأكولات الحارة تسهم في السيطرة على الأمراض المنقولة عبر الطعام، وقد يفسّر هذا العامل أيضاً تفضيل بعض الثقافات للمنتجات الحارة.

نتائج علمية مختلطة

بدأ علماء الأوبئة الغذائية يدرسون مخاطر ومنافع استهلاك المأكولات الحارة على المدى الطويل منذ سنوات. يتعلق جزء من النتائج المرتبطة بتناول هذه المنتجات بالبدانة، وأمراض القلب والأوعية الدموية، والسرطان، والزهايمر، وحرقة المعدة، والقرحة، والصحة النفسية، والحساسية تجاه الألم، والوفاة لأي سبب.

توصلت هذه الدراسات إلى نتائج مختلطة، فقد برزت روابط متزايدة بين أعراض مثل حرقة المعدة واستهلاك المأكولات الحارة. وكما يحصل مع أي علم قيد التطوير، يثق الخبراء بمعلومات دون سواها حول جزء من تلك الآثار الصحية.

يؤكد بعض الخبراء مثلاً على أن المأكولات الحارة لا تُسبب قرحة في المعدة، لكن يبقى ارتباط هذه الأغذية بسرطان المعدة غير واضح بالقدر نفسه.

لكن عند مراعاة أمراض القلب والسرطان وجميع أسباب الوفاة المحتملة لدى المشاركين في الدراسات، هل يزيد خطر الوفاة المبكرة أم يتراجع بسبب تناول المأكولات الحارة؟

في الوقت الراهن، تكشف الأدلة التي تطرحها دراسات سكانية واسعة أن هذه المنتجات لا تزيد احتمال الوفاة لأي سبب، حتى أنها قد تُخفّض نسبة الخطر.

لكن عند مراجعة نتائج هذه الدراسات، يجب ألا ننسى أن المأكولات التي يستهلكها الناس هي جزء بسيط من عوامل كثيرة أخرى على صلة بأسلوب الحياة عموماً، بما في ذلك النشاطات الجسدية، ووزن الجسم النسبي، وعادات التدخين وشرب الكحول، إذ تترافق هذه العوامل كلها مع عواقب صحية معيّنة.

لا يسهل على الباحثين أن يقيّموا نتائج الحميات الغذائية وعوامل أسلوب الحياة بدقة لدى أي مجموعة من المشاركين في الدراسات، ويتعلق جزء من السبب على الأقل بعدم تذكّر التفاصيل بدقة أو امتناع المشاركين عن كشف جميع المعلومات المطلوبة. غالباً ما تبرز الحاجة إلى إجراء دراسات على مر سنوات عدة قبل التوصل إلى استنتاج جازم حول تأثير أي عامل غذائي على جانب صحي معيّن.

لا يعرف العلماء حتى الآن السبب الذي يجعل عدداً كبيراً من الناس يتلذذ بالمأكولات الحارة مقابل انزعاج آخرين من مذاقها، رغم وفرة الفرضيات المتعلقة بمجموعة مؤثرة من العوامل التطورية، والثقافية، والجغرافية، والطبية، والبيولوجية، والنفسية.

لكن يثق الخبراء في المقابل بمسألة واحدة: يبقى البشر الجنس الوحيد الذي يتعمد تناول منتجات حارة لدرجة أن يشعروا بالألم لمجرّد التلذذ بنوع معيّن من الطعام.


MISS 3