مضادات الإكتئاب لا تعطي مفعولها قبل أسابيع

02 : 00

تبيّن أخيراً أن فئة مضادات الاكتئاب الأكثر شيوعاً تزيد الروابط في الدماغ البشري. قد يطرح هذا الاكتشاف تفسيراً بيولوجياً منطقياً لتأخّر استجابة الدواء وقد يُمهّد لتطوير علاجات مستهدفة جديدة. لم يكن سبب تأخّر هذا المفعول واضحاً، إذ تحتاج مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية إلى بضعة أسابيع قبل أن تعطي منافع ملحوظة. من خلال فهم أسباب هذا التأخير، قد يُشجّع خبراء الطب المرضى على متابعة العلاج ويحصل ملايين المصابين بالاكتئاب على أمل جديد.

في أول دراسة بشرية من نوعها، قاس فريق بحثي عالمي التغيرات الجسدية في نقاط الاشتباك العصبي بعد إعطاء علاج بمثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية إلى راشدين أصحاء.

تقول عالِمة الأعصاب، غيتي كنودسن، من مستشفى كوبنهاغن الجامعي في الدنمارك: «رصدنا زيادة تدريجية في نقاط الاشتباك العصبي في القشرة الحديثة ومنطقة الحصين الدماغية لدى من أخذوا مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية».

تسمح زيادة مستويات ناقل السيروتونين العصبي في الدماغ بتحسين المزاج عند أخذ مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية. لكن لا يفيد هذا العلاج جميع الناس للأسف، ولا يعرف العلماء بعد آلية عمله الدقيقة.

افترض العلماء سابقاً أن تلك المثبطات تزيد مرونة نقاط الاشتباك العصبي في الدماغ البشري، ويقال إن قدرة هذه النقاط على تقوية أو إضعاف نفسها مع مرور الوقت تُعتبر أساسية للتعلم وحفظ الذكريات وتنظيم المزاج.

لاختبار هذه الفرضية، شملت تجربة جديدة 32 شخصاً راشداً ما كانوا مصابين بالاكتئاب. طُلِب من المشاركين عشوائياً أن يأخذوا جرعات يومية تشمل 20 ملغ من علاج إسكيتالوبرام أو دواءً وهمياً لفترة تصل إلى خمسة أسابيع.

رصدت المسوحات الدماغية اختلافات بارزة بين المجموعتين على مستوى تبدّل كثافة نقاط الاشتباك العصبي. سجّلت المجموعة التي أخذت دواء إسكيتالوبرام مستويات أعلى من «البروتين السكري في الحويصلة المتشابكة 2A» داخل القشرة الدماغية الجديدة والحصين مقارنةً بمن أخذوا الدواء الوهمي.

تحتل القشرة الجديدة نصف مساحة الدماغ تقريباً، وهي عبارة عن بنية دقيقة تتولى عمليات عقلية عالية المستوى مثل العواطف، والإدراك الحسّي، والقدرات المعرفية. كل من أخذ دواء إسكيتالوبرام سجّل زيادات أقل في مستوى «البروتين السكري في الحويصلة المتشابكة 2A» داخل منطقة الحصين التي تقع في عمق الدماغ وتساعدنا على التذكّر والتعلم.

لكن لم تظهر الاختلافات بين المجموعتَين قبل مرور بعض الوقت. اتّضحت الاختلافات في كثافة «البروتين السكري في الحويصلة المتشابكة 2A» بين من أخذوا الإسكيتالوبرام والدواء الوهمي بعد مرور 29 يوماً تقريباً. كذلك، كشف التحليل أن زيادة كثافة نقاط الاشتباك العصبي كانت أوسع نطاقاً لدى من أخذوا الإسكيتالوبرام لفترات أطول.

توضح كنودسن: «تشير بياناتنا إلى تراكم نقاط الاشتباك العصبي على مر بضعة أسابيع، ما قد يفسّر تأخّر ظهور آثار تلك الأدوية. لم يظهر أي أثر لدى من أخذوا الدواء الوهمي».

سمح إشراك أشخاص غير مصابين بالاكتئاب بدراسة الآثار المحتملة لمثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية على مستوى مرونة نقاط الاشتباك العصبي من دون أن تؤثر عليها الأعراض العيادية أو الأمراض الدماغية. تبرز الحاجة إلى إجراء أبحاث إضافية للتأكد من تكرار النتيجة نفسها لدى المصابين بالاكتئاب ومعرفة مدى ارتباطها بتحسّن النتائج العيادية.

في النهاية يستنتج ديفيد نات، عالِم متخصص بالأدوية العصبية النفسية في جامعة «إمبريال كوليدج»، لندن (لم يشارك في البحث الجديد): «كان تأخّر ظهور مفعول مضادات الاكتئاب مربكاً للأطباء النفسيين منذ أكثر من خمسين سنة. لذا من الطبيعي أن تكون هذه البيانات البشرية الجديدة مثيرة للاهتمام، فهي تستعمل تقنيات متطورة لتصوير الدماغ وإثبات زيادة الروابط الدماغية تزامناً مع تراجع حدّة الاكتئاب».


MISS 3