لا يمكن أن يستمر الوضع الداخلي اللبناني على هذه الحال من المراوحة السياسيّة والشلل المؤسساتي والتعثر الاقتصادي لأنّ المفاعيل السلبيّة لذلك متواصلة على مختلف المستويات وتنذر بعواقب وخيمة خصوصاً مع عودة جبهة الجنوب اللبناني للاشتعال وغياب الرؤية الواضحة في ما يتعلق بالحرب الإسرائيليّة المتواصلة على غزة منذ نحو شهرين.
من الامتناع عن انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة بعد مرور أكثر من 13 شهراً على الفراغ (انتهت ولاية الرئيس السابق ميشال عون في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2022)، إلى العمل الحكومي المنقوص بفعل أنّ الحكومة هي حكومة تصريف أعمال وأنّ هناك جهات سياسيّة تقاطعها ولا تشارك في أعمالها، وصولاً إلى الوضع الاقتصادي المتردي والاستقرار النقدي القابل للانهيار في أي وقت.
الإستحقاق الأهم المتمثل ببلوغ قائد الجيش لسن التقاعد القانوني يتطلب علاجاً فورياً خصوصاً في ظل غياب رئيس الأركان الذي يملك وحده صلاحيّة قيادة الجيش بالوكالة في غياب القائد (وقد سُجلت حالات عديدة مماثلة في السابق)، وبالتالي سوف تصبح المؤسسة العسكريّة من دون رأس، وفي هذه الحالة «الضرورات تبيح المحظورات»، ولا مفر من التمديد لقائد الجيش في موقعه.
قد يعتبر البعض أنّ إخراج قائد الجيش من موقعه في اليرزة يؤدي إلى خروجه تلقائياً من السباق الرئاسي، ولكن مهما يكن من أمر، فإنّ الحفاظ على المؤسسة العسكريّة في هذه الظروف المحليّة والاقليميّة الدقيقة، يعلو مرتبة على الاعتبارات السياسيّة والحسابات المصلحيّة لهذا الفريق أو ذاك.
هناك عدد من الأفرقاء السياسيين الذين يؤيدون بقاء قائد الجيش في منصبه من دون أن يؤيدوا بالضرورة انتخابه للرئاسة الأولى التي تتحكم بها جملة من العوامل المحليّة والاقليميّة والدوليّة التي لا تزال غير متوفرة حتى اللحظة، والدليل هو استمرار الشغور وغياب الحراك الدولي الجدي في الملف الرئاسي باستثناء الدور القطري، الذي يعمل بعيداً عن الضوضاء الاعلاميّة والدور الفرنسي الذي تجدّد مع زيارة الموفد الرئاسي جان إيف لودريان دون أن يحدث أي خرق يُذكر ولا حتى تحريك المياه الراكدة.
ثمة مشاهد معيبة بالفعل بحق اللبنانيين تتمثّل في انتظار القوى السياسيّة اللبنانيّة لحدوث توافق خارجي يعكس نفسه في الداخل في ما يتعلق بانتخاب الرئيس، وهو انتظار قاتل ومكلف جداً وله تأثيراته السلبيّة على الواقع الداخلي وعلى مستقبل البلاد في لحظة شديدة الحساسيّة، خصوصاً على مستوى الصراع العربي - الإسرائيلي الذي يشهد منعطفات جديدة وغير مسبوقة.
ماذا ينتظر اللبنانيون؟ ليس هناك من ظروف قاهرة عسكريّة أو غير عسكريّة تحول دون انتخاب الرئيس الجديد، وليس هناك حالة طوارئ تمنع النواب من النزول إلى المجلس للقيام بأحد أهم واجباتهم الدستوريّة.
صحيحٌ أنّ الاستحقاق الرئاسي اللبناني لم يكن يوماً مجرّد استحقاق محلي، وحبذا لو كان كذلك، ولكن الانسحاق المحلي التام بانتظار التوافق الخارجي معيب ومثير للاشمئزاز ذلك أنّ مجرّد الانتظار للانتظار هو أمر مشين. فلتُنتخب أي شخصيّة مارونيّة تحظى بالاحترام ولتخرج البلاد من هذه الدوامة المملة والدراميّة.
غابت السياسة في لبنان، وغاب اللاعبون الكبار في السياسة. وعندما دخل الصغار إلى الحلبة، خفضوا مستويات اللعبة إلى مستواهم بدل أن يرتقوا إلى مستوى التحديات التي تتطلبها إدارة البلاد من حكمة ومسؤولية ودراية. هل ارتهان البلاد إلى المصالح الشخصيّة هو الحل؟ هل الإمعان في التعطيل هو الحل؟
يستحق اللبنانيون إدارة أفضل وواقعاً أفضل.