فيما تُواصل الدولة غيابها عن السمع، ويصمّ مسؤولوها آذانهم عن معالجة أزمات المواطنين المتلاحقة وفي مختلف نواحي الحياة، في ظلّ الأزمة الإقتصادية والمعيشية الخانقة، أطلق "تجمّع المؤسسات الأهلية" في منطقة صيدا، مبادرة لتنشيط الحركة الإقتصادية والتجارية في صيدا القديمة، من أجل مساعدة اصحاب المحال والمهن على الصمود أمام شبح الإفلاس أو الإقفال، وذلك استكمالاً لدوره في مواجهة تداعيات "كورونا"، وعلى قاعدة أنّ الأمنين الغذائي والإجتماعي لا ينفصلان عن السياسي والصحّي.
وأوضح مُنسّق "التجمّع" ماجد حمتو لـ"نداء الوطن" أن المبادرة تُحاكي وجع الناس ومُعاناتهم بهدف تنشيط الحركة الإقتصادية، بعد ركود نتيجة الحجر المنزلي والتعبئة العامة وحال الطوارئ الصحية، مع الحفاظ على الإجراءات الوقائية والسلامة العامة، مع عودة الحياة الى طبيعتها تدريجياً. فالناس في المدينة القديمة بحاجة الى دعم مستدام ومبادرات إنتاجية ولو بالحدّ الأدنى، وليس فقط المساعدات الإغاثية والتموينية على أهميتها". مُضيفاً: "مبادرتنا مُتعدّدة الاتّجاهات وتشمل كل القطاعات العاملة في البلد، التي تأثّرت بالأزمة المعيشية، وآخرها جائحة "كورونا"، من المطاعم والمقاهي الى المحترفات التراثية والاثرية وبيع الحِرف، إضافة الى الأفران ومحال السمانة والفول والحمص وسواها، لتنشيط الدورة الإقتصادية، وذلك من خلال عقد لقاءات فيها مع المخاتير ومختلف فاعليات المجتمع البلدية والإقتصادية والإجتماعية والتجارية والإعلامية، والتشاور معها، وإيجاد برنامج مُنظّم غير ارتجالي وأنشطة مُتعدّدة، تُراعي السلامة العامة وتُساهم في الوقت نفسه في جذب الناس اليها مع غياب السياح"، داعياً الى وضع "اليد باليد والكتف على الكتف لتحقيق الهدف في تنشيط الدورة الاقتصادية، باعتبار أن الأمن الغذائي لا يقلّ أهمية عن الصحّي، والأمن الاجتماعي يتكامل مع السياسي، وكلّها تساهم في وقف التدهور والتردّي الذي وصل الى مستوى لا يُحتمل"، آملاً في"القيام بمسح ميداني شامل، نستطيع من خلاله وضع الخطط المناسبة للدعم الذي يجب أن يستمرّ لمواجهة الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية والصحّية المتدهورة".
شكاوى وغلاء
ومبادرة "التجمع" جاءت على وقع الشكاوى المتزايدة من أصحاب المطاعم والمقاهي في المدينة القديمة التي تدفع ثمناً باهظاً لتداعيات "كورونا"، بعدما خسرت الكثير من روّادها بسبب استمرار منع النرجيلة، حيث تُشكّل نقطة الجذب الأبرز من جهة، ومع الغلاء وبسبب ارتفاع الأسعار من جهة أخرى، بالرغم من تمديد الدوام حتى منتصف الليل.
ويؤكّد سليم، وهو صاحب أحد المقاهي الشعبية لـ"نداء الوطن" أن "الإقبال ما زال ضعيفاً بسبب تجنّب روادها التوجّه الينا، لعدم استطاعتهم الحصول على النرجيلة التي تُشكّل نقطة الإستقطاب"، مُضيفاً: "أكثر من 50% من الزبائن يأتون من أجل النرجيلة"، مشيراً الى "أننا أصبحنا في مرحلة الإحتضار الأخيرة، بعدما خسرنا موسم رمضان الذي يُعتبر المُنقذ لنا، من العجز المادي الذي نُعاني منه على مدار العام، وزادها منذ أشهر دفع الإيجار من دون عمل، التزاماً بالحجر المنزلي والتعبئة العامة، فضلاً عن غياب السيّاح والمغتربين الذين كانوا يساهمون في تحريك العجلة الإقتصادية، وخصوصاً في الأماكن المجاورة للمعالم الأثرية والتاريخية.
ولا يُخفي سليم ارتفاع الأسعار ارتباطاً بالدولار، ولا سيّما الفحم حالياً، والمعسّل والعجمي لاحقاً، مُقابل إحجام الروّاد عن ارتياد المقاهي بسبب انعدام قدرتهم الشرائية. فالدورة الإقتصادية مُتكاملة، اذ لا يجدون عملاً ومالاً، فكيف سيقصدون المقاهي التي تُعتبر متنفّساً لأبناء صيدا منذ عقود، وتُشكّل مكاناً للقاء الأصدقاء، ولو مرّة في الأسبوع، للإبتعاد عن المشاكل التي يُعانون منها".
وما يزيد الطين بلّة، استمرار إرتفاع سعر الدولار الأميركي بشكل جنوني، من دون أن يقف في عند سقف محدّد. وشهد سوق الصرف في المدينة إرباكاً لافتاً، بين الإلتزام بالسعر الذي حدّدته نقابة الصرافين لدى شركات ومؤسسات الصرافة بين 3890 للشراء كحدّ أدنى، و 3940 للمبيع كحدّ أقصى، فيما تخطّى سعره في السوق السوداء الموازية الـ 5 آلاف ليرة، وفضّل مُعظم الصرّافين إقفال أبواب محلّاتهم في انتظار عودة انتظام السوق، خصوصاً وأن دوريات من أمن الدولة تجول عليهم، وتُراقب التزامهم بالتسعيرة المحدّدة من النقابة، تحت طائلة التوقيف وإقفال المحال.
ومنذ فكَّ الصرّافون إضرابهم وعادوا إلى عملهم (الأربعاء 3 حزيران الجاري)، أمل هؤلاء في ضبط سعر الصرف مع إطلاق مصرف لبنان رسمياً العمل بالمنصّة الالكترونية، والمُتوقّع أن تُشكّل الآلية الرسمية لإدارة سوق الصرف من قبل مصرف لبنان، وبالتعاون مع تجّار الدولار خارج السوق السوداء، ومع المصارف، عبر إجراء عملياتهم المالية من خلال المنصّة وتحديد سعر الصرف بشكل يومي، لكنّهم أُصيبوا بالخيبة.
حراك وتساؤلات
وإزاء خيبات الأمل والإرباك، لم يقف ناشطو "صيدا تنتفض" مكتوفي الايدي، بل أعادوا الى الساحات نبض احتجاجها، ونظّموا في شارع رياض الصلح الرئيسي في المدينة، حيث تقع غالبية محلات الصيرفة، سلسلة تحركات غاضبة، مروراً بمنطقة القياعة، حيث أقفلوا الطريق بحاويات النفايات المُشتعلة لبعض الوقت، ثم الى ساحة الثورة عند تقاطع ايليا، وصولاً الى فرع مصرف لبنان، احتجاجاً على الإرتفاع الجنوني في سعر صرف الدولار، وانعكاساته السلبية مزيداً من الغلاء وارتفاع الأسعار على السلع الغذائية بمختلف انواعها.
وأكّدت الناشطة أمينة ابو زينب أنّ "الوضع الذي وصلنا اليه هو الأسوأ في تاريخ لبنان ولم نعرفه حتى خلال الحروب، كل يوم تتفاقم وتتعاظم أزماتنا بشتى أنواعها لتبلغ مرحلة فوق طاقة الشعب"، مُتسائلة: "ماذا بعد يا حكام البلاد؟ أما يستحقّ الشعب المقهور إعادة ترتيب الأولويات لديكم؟ أما آن الوقت لتكون الكرامة الإنسانية اللبنانية في صدارة أهدافكم؟ كيف ستُعيدون قيمة عملة وطنية لم تعد تنفع لأكثر من لفّ سندويشات العشاء؟ كيف ستُعيدون أموالاً نُهبت وسُرقت تحت أعينكم؟ كيف ستوقفون هدراً وفساداً في كل إدارات ومفاصل دولتكم؟