رامي الرّيس

العلاقات التركيّة - اليونانيّة أمام منعطف مفصلي: هل بالإمكان فتح صفحة جديدة؟

9 كانون الأول 2023

02 : 01

رئيس الوزراء اليوناني خلال استقباله الرئيس التركي في أثينا أمس الأوّل (أ ف ب)

كثيرة هي المشكلات والموروثات التاريخيّة بين تركيا واليونان. منذ حقبة الصراع بين البيزنطيين والسلاجقة واحتلال القسطنطينيّة سنة 1453 وصولاً إلى العصر الحالي، حيث تتخذ العلاقات بين الجارين اللدودين مسارات مختلفة صعوداً وهبوطاً بحسب اللحظة السياسيّة والمصالح المتبادلة.

ينضوي البلدان سوياً تحت مظلّة حلف شمالي الأطلسي (الناتو) وقد حافظت تركيا على عضويّتها في الحلف رغم تعثّر علاقاتها السياسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة مع العديد من أعضاء «الأطلسي»، وفي طليعتهم الولايات المتحدة الأميركيّة التي تشهد علاقاتها توترات موسميّة مع أنقرة دون الوصول إلى قطع للعلاقات بسبب دور تركيا ونفوذها المتنامي، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنطقة البحر الأسود التي تشهد حركة ملاحة بحريّة تجاريّة هائلة لا يُمكن إشاحة النظر عنها.

ولقد شكا الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان من امتناع واشنطن عن تنفيذ صفقة شراء طائرات «أف 16» رغم تسديد ثمنها من قبل أنقرة، والسبب سياسي بطبيعة الحال ولا يتّصل بالقدرات التصنعيّة أو بأسباب لوجستيّة. ويعود سبب تردّد واشنطن إلى تذبذب علاقاتها مع أردوغان وحكومته، ومع التريّث في تنفيذ أي خطة تسليح من شأنها تقوية أنقرة وتعزيز موقعها الاقليمي، آخذة في الاعتبار أيضاً الإشكالات المتواصلة في العلاقات التركيّة - الإسرائيليّة التي، رغم إعادة تطبيعها في السنوات الماضية، إلّا أنها كانت شهدت منذ عشر سنوات تدهوراً كبيراً عقب إرسال سفينة لكسر الحصار على غزة والرد الإسرائيلي عليها.

وإذا كانت تركيا واليونان تلتقيان في حلف شمالي الأطلسي، إلّا أن الإصرار الأوروبي على رفض الطلب المزمن من أنقرة للانضواء في صفوف الاتحاد الأوروبي حال دون أن يلتقيا تحت مظلة الاتحاد التي، لو أتيح المجال السياسي لحصولها، لما كان الواقع بقي على حاله على الصعيد الأوروبي بشكل عام.

من أبرز الملفات العالقة بين تركيا واليونان، هي القضيّة القبرصيّة التي كانت وصلت إلى ذروتها في العام 1974 مع الاجتياح التركي للجزيرة الصغيرة واقتطاع القسم الشمالي منها وإعلانه جمهوريّة مستقلّة لا تعترف فيها سوى أنقرة من بين كلّ دول العالم، وهي تخضع بالكامل للسيطرة التركيّة السياسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة، وترتكز عليها في عملتها ونشاطها التجاري بشكل شبه مطلق.

في المقابل، يعترف العالم بأجمعه بقبرص الجنوبيّة على أنها الجمهوريّة القبرصيّة، وهي عضو في الاتحاد الأوروبي وعملتها اليورو وتحظى بكل المكتسبات التي تحظى بها أية دولة من دول الاتحاد في تسهيلات السفر والجمارك وانتقال الأشخاص والبضائع.

كادت خطة السلام التي وضعها الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان أن تجترح حلّاً للجزيرة المقسمّة في لحظة سياسيّة ما، إلّا أن التعقيدات السياسيّة والواقع الديموغرافي والميداني حالا دون ذلك، فثمة وقائع على الأرض فرضت نفسها منذ العام 1974 ليس أقلّها تقسيم العاصمة نيقوسيا نفسها، ولم يعُد من السهل تجاوزها أو القفز فوقها.

ومن المشكلات الأخرى التي تعتري العلاقات التركيّة - اليونانيّة، عمليّات التنقيب عن الغاز التي قادتها أنقرة في حوض شرق البحر المتوسط، بالإضافة إلى ارتفاع وتيرة التوتر في الجزر المتنازع عليها في بحر إيجه.

وإذا كان التضامن اليوناني الإنساني مع تركيا جرّاء الزلزال المدمّر الذي شهدته البلاد في 6 شباط الماضي قد أنعش التوقعات بإعادة تطبيع العلاقات السياسيّة والاقتصاديّة المتعثرة والمتوترة بين البلدين، إلّا أن التجاوب مع سياسة «رابح - رابح» التي أعلنها أردوغان حيال علاقات بلاده مع أثينا تعترضها الكثير من الاشكاليّات العالقة التي لن يكون من اليسير حلّها ومعالجتها بشكل فوري.


MISS 3