بيتسي موريس

Zoom... يُسبّب لك الإجهاد؟

15 حزيران 2020

المصدر: The Wall Street Journal

02 : 00

كتبت تامي سان، سيدة الأعمال الرائدة في مجال التكنولوجيا في "سيليكون فالي"، تغريدة معادية للتكنولوجيا حديثاً: "بسبب الإجهاد المرتبط بمؤتمرات الفيديو، أريد هاتفاً أرضياً دائرياً قديماً". سان هي مؤسِّسة شركة "كاروت" الناشئة التي تطرح خطط خصوبة للشركات. تحب سان تطبيق Zoom كثيراً، فهي تستعمله في تسع محادثات من أصل عشر، بمعدل ستة أيام أسبوعياً. لكنّ المشكلة الحقيقية برأيها لا تتعلق بهذه المدة، بل بصورتها على شبكة التطبيق التي تعكس كل خطوة تقوم بها وكأنها تقف أمام مرآة. تُعرَف هذه المشكلة اليوم باسم "إجهاد مؤتمرات الفيديو" (Zoom Fatigue)، وهي لا ترتبط بكل بساطة بفرط الاجتماعات في هذا العصر. بل يقول علماء الاجتماع إنها تنجم عن نزعة مفاجئة إلى استعمال التكنولوجيا بدرجة فائقة وبوتيرة تعيق طريقة التواصل الطبيعية والفطرية المعتدلة التي تطورت مع مرور الزمن لمساعدة البشر على متابعة حياتهم.

يقول جيريمي بايلنسون، مدير مختبر التفاعل البشري الافتراضي في جامعة "ستانفورد": "لقد تطورنا بطريقة جعلت رمشة العين البسيطة بالغة الأهمية. صمد الجنس البشري لأننا نستطيع إنتاج تلك الإشارات بطريقة مثمرة. لكن يُغرقنا تطبيق Zoom بالإشارات غير المتناغمة، فينعكس الوضع على صحتنا الفيزيولوجية".

قبل ظهور فيروس كورونا، لم تكن شركة Zoom معروفة. هي قائمة منذ تسع سنوات وكانت تقدم خدماتها للشركات في المقام الأول، فتستضيف عدداً كبيراً من الندوات والحصص التدريبية على الإنترنت. لكن أصبحت هذه الخدمة أساسية داخل الأُسَر في الأشهر الأخيرة، فارتفع عدد المشاركين في الاجتماعات من 10 ملايين شخص في نهاية السنة الماضية إلى 300 مليون في نيسان الماضي.



سيدة الأعمال تامي سان تستعمل Zoom طوال الوقت



أصبح التطبيق صلة وصل بين الأصدقاء والعائلات وشكّل محركاً لعمل الشركات. لم يتّضح بعد إلى أي حد تضرر بعد فشله حديثاً في حماية خصوصية البيانات أو تعطيل عمليات المتصيدين والمقرصنين، علماً أنه تعهد بمعالجة المشكلة. تفوّق Zoom على منافسيه لأنه يهدف بكل وضوح إلى تسهيل مؤتمرات الفيديو. وبما أن خدمة الشركة كانت مجانية وتستطيع عقد اجتماعات بين مئة شخص، تحوّل التطبيق إلى نقطة التقاء بين الناس العاجزين عن اللقاء شخصياً في زمن كورونا. ما سبب علاقة الحب والكره الشائعة إذاً مع تطبيق Zoom؟ لا تنحصر مشاعر الإحباط به، بل يشتق جزء كبير من الانزعاج المرتبط بمؤتمرات الفيديو من الشوائب التي تجعلها أقل تأثيراً من اللقاءات الشخصية.

أصبحت مؤتمرات الفيديو أداة تواصل أساسية في الشركات وقطاع التعليم والعلاقات الشخصية في زمن الوباء. تقول متحدثة باسم شركة Zoom في بيان لها: "كانت هذه المرحلة الانتقالية سلسة بنظر البعض، لكنها شاقة للبعض الآخر. يضطر الأشخاص المعتادون على عقد الاجتماعات أو حضور الحصص في مواقع متنوعة لملازمة منازلهم اليوم. نحن جميعاً نتعلم كيفية استخدام هذه الأداة الجديدة للتواصل ونتكيف مع تلاشي الخطوط الفاصلة بين لقاءات العمل والتفاعلات الشخصية. من الواضح أن الناس يشتاقون إلى التفاعل البشري المباشر الذي أصبح محدوداً بسبب التدابير القائمة راهناً".

التواصل خليط مدهش من الكلمات والإيماءات والحركات بين الناس ويسمّيه العلماء "التزامن". هذا التفاعل المعقد أساسي لدرجة أن الباحثين اكتشفوه لدى المواليد الجدد بعد رصده لدى الراشدين: ثمة تناغم بين حركات الطفل الرضيع وكلام من يعتني به منذ اليوم الأول في حياته.

وفق أطروحة غير منشورة بعد أعدّتها جينغ جينغ هان التي نالت حديثاً شهادة دكتوراه في الفنون الإعلامية والعلوم من جامعة "إنديانا"، يشكّل هذا التزامن عاملاً محورياً من التواصل المباشر ويصبح ممكناً عبر الفيديو حين تتوافر الظروف الملائمة. لكنها تعتبر تجربة Zoom مُتعِبة أيضاً لأن البشر مصمَّمون لتحقيق مستوى من التزامن ويبذلون جهوداً شاقة لبلوغه. على تطبيق Zoom، نحن نبذل جهوداً فائقة جداً للتنسيق في ما بيننا. تتمحور المرحلة المقبلة من بحثها حول هذا الموضوع.

تترافق مؤتمرات الفيديو مع شوائب عدة على مستوى التواصل، منها العجز عن قراءة لغة الجسد، وتحرك الوجوه نحو نقاط مختلفة على الشاشة، وخدمة الدردشة لتلقي تعليقات جانبية، وتأخر البث بطريقة تمنع كل فرد من بدء مشاركته في الوقت المناسب. يقول ستيف هاريسون، أستاذ مساعد في جامعة فرجينيا للتكنولوجيا ومدير برنامج التصاميم البشرية فيها: "نضطر دوماً لاحتساب مدة الكلام وتحديد توقيته المناسب"!

في ظل انحسار ردود الأفعال غير الشفهية في الوقت الحقيقي، يصعب أن نتأكد من وجود المشاركين المعنيين على الطرف الآخر من المكالمة. تقول كيلي سوروكتي، مديرة فرع تقاسم المعارف في "صندوق أونس للوقاية" في شيكاغو: "حين نطرح أي سؤال، يسود صمت مطبق. فنشعر بأننا نتكلم مع الهواء".

كذلك، راقب الباحثون أفراداً مدرّبين على استعمال مرآة أو كاميرات فيديو واستنتجوا أن هذا النشاط يجعلهم يرون أنفسهم بالطريقة التي يراها الآخرون برأيهم، ويشكّل هذا الجانب مصدر إجهاد آخر لهم. توضح إيمي غونزاليس، أستاذة مساعدة تدرس الإعلام في جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا: "حين ننظر في المرآة، نميل إلى رؤية صورة ذاتية عن أنفسنا. قد أعتبر أنفي كبيراً مثلاً. أو ربما أحتاج إلى مستحضر لتخفيف التجاعيد". تقول شركة Zoom إنها تقدم خياراً لمنع المستخدم من رؤية انعكاس المرآة بهذا الشكل.

تُعتبر صور الرؤوس المحصورة في إطار ضيق أو رؤوس المتحدثين العملاقة مثيرة للقلق والاضطراب. يكون المتلقي حساساً بشكلٍ خاص تجاه صور الناس الآخرين، لا سيما إذا كانت كبيرة ومقرّبة أكثر من اللزوم. في دراسة سابقة للردود النفسية تجاه وسائل الإعلام، اكتشف الباحثون في جامعة "ستانفورد" أن الشاشات الأكبر حجماً (56 إنشاً مقارنةً بـ 13) تُنشّط الجهاز العصبي الودي الذي يرتبط باستجابة الهرب أو المواجهة. يتعلق السبب جزئياً بقدرتها على جعل الصور أقرب وأكثر خطورة.



جيريمي بايلنسون يجتمع بزملائه في مختبر التفاعل البشري الافتراضي في جامعة "ستانفورد" الدائرة الصفراء تشير إلى كاميرا ثلاثية الأبعاد لقياس السلوك غير الشفهي



ما هي أفضل الخيارات المتاحة؟ Zoom أو FaceTime أو Houseparty؟ في زمن التباعد الاجتماعي، استُبدِلت الاجتماعات المباشرة بصور على الشاشات. تقدم الصحافية في قسم التكنولوجيا في صحيفة "وول ستريت جورنال"، نيكول نغوين، نصائح مفيدة للتعامل مع الواقع الجديد في مجال دردشة الفيديو.

في تطبيق Zoom وخدمات أخرى، يقول المستخدمون إن المتحدث قد يبدو قريباً بدرجة مزعجة ويحدّق بالشاشة على نحو غريب. وفق مجموعة أبحاث عن التواصل البصري (مؤشر اجتماعي قوي)، قد يصبح هذا الوضع مزعجاً. وفي دراسة سابقة، خضع المشاركون للمراقبة عبر تخطيط الدماغ الكهربائي تزامناً مع التحديق بهم من مسافات تتراوح بين 2 و32 قدماً. يعكس النشاط الكهربائي للدماغ التغيرات البيوكيماوية التي تُحفّز مجموعة من الحالات الفيزيولوجية، منها اليقظة القصوى واستجابة الهرب أو المواجهة. في هذه الدراسة، بلغ نشاط الدماغ ذروته لدى المشاركين حين بدأ الباحث ينظر في العيون مباشرةً من مسافة قدمَين.

عند استعمال الفيديو، تتغير الكيمياء الحيوية الخاصة بالتواصل بطرقٍ مختلفة. تكشف الدراسات أن المحادثة المباشرة تؤدي إلى إطلاق ناقلات عصبية مثل الدوبامين المرتبط بمشاعر المتعة والراحة وهرمون الأوكسيتوسين الذي يشتق من عامل التزامن ويُسهّل التواصل. تقول سوزان بينكر، طبيبة نفسية تكتب مقالات في صحيفة "وول ستريت جورنال": "حللت الدراسات التفاعلات البيوكيماوية التي تحصل أثناء التواصل بالرسائل النصية وعبر مواقع التواصل الاجتماعي والهاتف، واستنتجت أننا نحصد منافع بيوكيماوية إضافية أثناء التواصل المباشر لأنه يطلق سيلاً غنياً من الإشارات الاجتماعية".

أصبح تطبيق Zoom بديلاً عن طاولة المؤتمرات، ما أدى إلى اضطراب نظام العمل المعتمد في المكاتب. هذا الوضع شائك ومُربِك أيضاً. يوضح ستيف هاريسون: "في تطبيق Zoom، قد تكون القائد الفعلي على طاولة المؤتمرات لكنك لن تدرك ذلك. لا مجال للسيطرة على موقعك في هذه الظروف".

متى يظهر المستخدم في أعلى الشاشة على الجهة اليسرى؟ كان بايلنسون يظن أن الشخص الذي يدعو إلى الاجتماع يحتل هذا الموقع على الشاشة إلى أن سبقه اثنان من طلابه واحتلا هذه المكانة العليا. ثم أخبراه أن هذا الموقع من نصيب المستخدم الذي يصل أولاً. يظن هاريسون أن نظام الحلول الحسابية هو الذي يحدد هذه المسألة.

أعلنت شركة Zoom من جهتها أن أول الواصلين يتلقى أولى الخدمات، بحسب توقيت انضمام المشاركين إلى الفيديو بعد تشغيله. إذا أطفأ المستخدم الفيديو، سيصبح في آخر الصف. وإذا كانت المجموعة المشارِكة أكبر من أن تَسَع على صفحة واحدة، يحاول التطبيق نقل آخر متحدث إلى الصفحة الأولى بدل المشارك الأقل نشاطاً.

يظن هاريسون أن هذا الوضع قد يغيّر السياسات المعتمدة في المكاتب بطريقة جذرية، لا سيما إذا أصبحت مؤتمرات الفيديو أبرز شكل لاجتماعات العمل، إذ تخطط شركات متزايدة اليوم لجعل موظفيها يعملون من المنزل. في النهاية، يتساءل هاريسون: "كيف يصبح الفرد عضواً قيّماً من الفريق على تطبيق Zoom؟ وهل سيتشوّه مفهوم القيادة على يد الأشخاص القادرين على التلاعب بهذه الوسيلة"؟


MISS 3