أحمد الأيوبي

المجلس العلوي الجديد: تحدّيات الحوار والجوار

18 كانون الأول 2023

02 : 00

يسود التفاؤل بانتظام عمل المجلس

مرّت انتخابات المجلس الإسلامي العلوي سريعاً وسط انغماس اللبنانيين في وقائع الأحداث والأزمات، لكنّها حدثٌ ينبغي التوقّف عنده بالنظر لأهميته في ترتيب العلاقة بين الطائفة العلوية بجوارها في طرابلس وعكار وفي دور الطائفة على المستوى اللبناني وتحديداً في ما بين المرجعيات الدينية وموقع المجلس العلوي واحتمال الاصطفاف السياسي، هذا بالإضافة إلى الأوضاع الداخلية وصراع الهوية في ظلّ التحالف مع «حزب الله» وكيفية الحفاظ على خصوصية الطائفة.

للتذكير، جرت انتخابات رئاسة المجلس العلوي بتاريخ 26 تشرين الثاني 2023 و11 عضواً للهيئتَين الشّرعيّة والتّنفيذيّة، وفاز الشّيخ علي محمود قدور برئاسة المجلس وشحادة العلي بمنصب نائب الرّئيس، لتنتهي مرحلة طويلة من الصراع على رئاسة المجلس منذ وفاة الرئيس الأول للمجلس الشيخ أسد عاصي عام 2017 والدور الذي قام به القائم بأعمال المجلس الشيخ محمد عصفور لجهة تنظيم شؤون الطائفة قانونياً وخاصة تنظيم ملاك الإفتاء الإسلامي العلوي وقيامه بخطوات غير مسبوقة في الانفتاح على الأفق الإسلامي والعربي، وكانت الخطوة الأهم في استقباله السفير السعودي وليد البخاري في مقرّ المجلس بجبل محسن في 8 تشرين الأول 2022 وشكّلت تطوراً نوعياً في علاقة الطائفة العلوية بالمملكة وكان لها أثرٌ هام على الجو السني العام.

شهدت انتخابات المجلس العلوي عملية إقصاء واضحة لمعارضي الخطّ السياسي لـ»الحزب العربي الديمقراطي» برئاسة رفعت عيد، وأبرزهم الشيخ محمد عصفور وآخرين ليستقرّ المشهد على ترتيب هيئةٍ ناخبة موالية بأغلبها لعيد وليصل رئيس المجلس المقرب منه الشيخ علي قدّور ونائبه علي شحادة المحسوب على حزب البعث، مع ملاحظة أنّ الاثنين هما من بلدة المسعودية في عكار، بينما كان يتوقع أن يكون الرئيس أو نائبه من طرابلس.

ومع صدور نتائج الانتخابات، ظهرت إشارات ترحيب من دار الفتوى وقدّم مفتي عكار الشيخ زيد محمد بكار زكريا على رأس وفد من دار الفتوى، ممثلاً مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، التهاني للهيئة ورئيسها الشيخ علي قدور ونائبه شحادة العلي، في خطوة هدفت إلى تشجيع الهيئة الجديدة على الانفتاح على محيطها وإلى طمأنة العلويين وإظهار رسائل التعاون والودّ تجاههم.

أظهرت المواقف التي اتخذها الشيخ القدور توازناً معقولاً وانفتاحاً مشجّعاً وهو يقف اليوم أمام أربعة تحديات:

التحدي الأول: هو إدارة التنوع داخل الطائفة العلوية من خلال الإدراك بأنّ الآحادية واللون الواحد هما الطريق إلى الانغلاق وخسارة فرص التنمية والشراكة، فضلاً عن أنّ الميل لفريقٍ دون آخر سيكون مصدر توتّر داخل المجتمع العلوي، ومن نتائجه ضمور عمل مؤسسات المجتمع المدني التي تعتبر الرئة للمجتمع العلوي وقناة التواصل مع مصادر التنمية ويمكن القول إنّ الشيخ قدّور مسؤول عن رعاية هذا التنوع وحمايته بكلّ الأبعاد الاجتماعية والثقافية والعملية.

التحدي الثاني: هو التوازن بين ما قد يتعرّض له من ضغوط لتغليب التوجّه السياسي على حساب العلاقة مع المحيط والنزوع إلى الصدام الذي ساد فترات سابقة، وهو أمرٌ مستبعد، خاصة أنّ الشيخ قدور يدرك أنّه لا يمكنه النجاح إلّا بحسن العلاقة مع الشركاء في الوطن ويدرك مخاطر الانحياز وما ينتج عنه من تبعات.

التحدي الثالث: البناء على الخطوات الإيجابية والمنفتحة التي قام بها الشيخ محمد عصفور وعدم نسفها وتطوير علاقة الطائفة بجميع المكوِّنات اللبنانية وبالدول العربية وخاصة السعودية، وهذه عمليةٌ تفاعلية تحتاج إلى عملٍ منهجيّ لتجاوز الكثير من التباسات المراحل السابقة.

التحدي الرابع: وهو جموح بعض الجهات الشيعية لتشييع العلويين وإلحاقهم مذهبياً بالطائفة الشيعية وبدا ذلك في مراحل سابقة من خلال إنشاء حسينية شيعية في جبل محسن وأخرى في عكار، بينما المزاج العلوي يميل إلى الحفاظ على الهوية العلوية وخصوصية الطائفة ورفض ذوبانها في أيّ مكوِّنٍ آخر.

تشتقّ من هذا التحدي إشكاليةُ التموضع ضمن المرجعيات الدينية، فهناك نزوع لدى البعض في المجلس الشيعي الإسلامي الأعلى إلى تكوين اصطفاف طائفي لخلق توازن يعطِّل التلاقي السني الماروني على الثوابت الوطنية ويحاول فرض بند شرعية «حزب الله» على أي قمّة روحية محتملة، وهو ما يؤدّي عملياً إلى تأجيل انعقادها مرّة تلو الأخرى. يبقى أنّ أزمة صامتة نشأت بسبب خطأ بروتوكولي وقع فيه نائب رئيس المجلس الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب عند زيارته للتهنئة بانتخاب الشيخ القدور عندما تحدّث عمّا «للطائفة الاسلامية العلوية من خصوصية في وجداني ولما لسماحة الشيخ علي قدور من احترام وتقدير، لذلك لم أكتفِ بإرسال ممثل عني وعن المجلس بل أصريت على حضوري شخصياً»، الأمر الذي اعتبرته أوساط علوية سقطة أدبية بحقّ المجلس ورئيسه، وجرت اتصالات لململمة هذا الموقف واعتباره غير مقصود.

يسود التفاؤل بانتظام عمل المجلس الإسلامي العلوي ويُؤمل أن يسود التوازن والتعاون وفصل مسارات الاصطفاف السياسي وتعزيز الاستقلالية والتفاعل الإيجابي والدفع نحو التنمية وحقوق المواطنين وإشاعة الخطاب الإيجابي في الفضاء الديني والإعلامي والاجتماعي.


3