منير يونس

بدعة قانونية كلّفت لبنان إفلاس الدولة والمودعين

منصوري يُجدّد عقد صاحب الفتوى الكارثية؟!

18 كانون الأول 2023

02 : 00

منصوري ونواب الحاكم لا يستعجلون الإصلاح

*كان مصرف لبنان بدأ يخسر منذ 2003 فطلب رياض سلامة فتوى من بيار كنعان

*أفتى كنعان بإخفاء الخسائر في «موجودات أخرى» على أن إطفاءها يمتدّ حتى 2037!

*تراكمت الخسائر على أنها «موجودات» ثم ظهرت فجأة بواقع أكثر من 58 مليار دولار

*تلك الفتوى الكارثية مرّت خلسةً من تحت أنوف الحكومات ومجالس النواب المتعاقبة

*تضارب مصالح فاقع: للمستشار ولدان يعملان كمحاميَين لمؤسسات مصرفية ومالية



مع تعالي الاصوات في الخارج والداخل المنددة بكارثية وعدم قانونية قرارات وتعاميم صدرت عن مصرف لبنان خلال ولاية رياض سلامه، وتحديداً تلك التي هي صياغة مستشاره القانوني بيار كنعان، الملقب بالفاخوري كونه معروفاً بامتهان إدارة أذن الجرّة وفقاً لما كان يطلبه منه الاول، يستمر كنعان بعمله مستشاراً للحاكم اثناء ولاية وسيم منصوري استناداً لعقد حوله الكثير من الشبهات موقع بين سلامه وكنعان قبل 16 عاماً بعدما انتهت خدمات الاخير في مصرف لبنان. فقد حددت مدة العقد باربع سنوات ابتداء من 1 كانون الثاني 2008 على ان يجدد تلقائياً بعد انتهائها سنة فسنة ما لم يبلّغ احد الفريقين الآخر خطياً عن رغبته في انهاء العقد وذلك بمهلة شهرين على الاقل. ولم يعلن منصوري خلال المهلة السابقة اي موقف بهذا الخصوص. ما قد يعني التجديد له؟!




إطفاء الخسائر... أم التعمية عليها؟

جدير بالذكر ان كنعان هو صاحب الاستشارة الكارثية التي افتى فيها في كتابين الاول تحت رقم 3534/11 تاريخ 7 تموز 2003 جواباً على السؤال الشفهي الموجه من رياض سلامة اليه حول إمكانية استهلاك الخسائر التي أصابت مصرف لبنان. فكان جواب كنعان: «ان الإطفاء الفوري للخسائر سيُعيق إنجاح تدابير مصرف لبنان؟ وبالتالي سيؤثّر سلباً على النتائج المُبتغى التوصّل إليها خدمةً للمصلحة العامة . وحيث ان المبادئ المحاسبية التجارية غير واجبة التطبيق قانوناً بالنسبة إلى مصرف لبنان، كونه شخصاً من أشخاص القطاع العام (...) فلا يوجد قانوناً ما يمنع المصرف المركزي من اتّباع الأسلوب المحاسبي الذي يؤمّن هذه الغاية، من دون أن يمسّ ذلك بمبدأ الشفافية وصحة القيود المحاسبية. وبالتالي لا شيء يمنع من قيد الخسائر المتراكمة الممكن أن تُصيب الأموال الخاصة لمصرف لبنان في حساب خاص يجري إطفاؤه من أرباحٍ مستقبلية، مثل استخدام الفرق بين كلفة طباعة العملة وقيمتها، حسب كتاب ثانٍ يحمل الرقم 5205/11 تاريخ 29 كانون الاول 2006.



مخالفة قانون النقد والتسليف

فتوى كنعان تخالف بشكل فاقع نصاً قانونياً واضحاً وصريحاً هو نص الفقرة 4 من المادة 113 من قانون النقد والتسليف الذي لا يجيز ابداً تدوير الخسائر، اذ يذكر النص انه «اذا كانت نتيجة سنة من السنين عجزاً تغطى الخسارة من الاحتياط العام، وعند عدم وجود هذا الاحتياط او عدم كفايته تغطى الخسارة بدفعة موازية من الخزينة». ومن الطبيعي في الحالة الاخيرة ان يتم الامر بموافقة مجلس الوزراء الذي يتعين عليه عرض الامر على المجلس النيابي ليكون على بينة من الواقع المالي لمصرف لبنان واخذ موافقته على الانفاق.



حساب «الأصول الأخرى»


كتابا كنعان المذكوران واللذان افتيا برأي مخالف للقانون واعتمدهما الحاكم سلامه، او تغطى بهما، بدون علم المسؤولين الآخرين في مصرف لبنان، أسسا للأزمة الكارثية التي يعيشها لبنان حالياً. فقد استند اليهما الحاكم سلامه لإخفائه فجوة في حسابات مصرف لبنان من خلال فتح حساب اسمه «الأصول الأخرى» ضمن باب الموجودات. حساب تراكمت فيه الخسارات فبلغت خفية عشرات المليارات من الدولارات. من دون ايضاح مضامين حساب «الاصول الاخرى « ببند خاص مرفق بميزانيات مصرف لبنان التي تنشر، كما تفعل عادة المصارف المركزية عندما تعتمد مقاربات حسابية خاصة مختلفة عن القواعد المحاسبية العامة. ويذكر ان الخسائر تراكمت على أنها «موجودات» ثم ظهرت فجأة في بند ادعاء ان لمصرف لبنان بذمة الدولة 16.5 مليار دولار منذ 2007 لم يعترف بها اي وزير مالية حتى تاريخه، وفي بند كلفة صندوق تثبيت النقد اذ سجل سلامة قبل خروجه من الحاكمية أكثر من 42 مليار دولار على انها كلفة طبيعية وعادية (!) للاستقرار النقدي الذي كلفته به الحكومات المتعاقبة !

حتى العام 2037

لاحقاً خاطب الحاكم سلامه مديرية المحاسبة في تشرين الثاني 2008، وضمن خطة التصحيح المالي المتضمنة الاطفاء المسبق لجزء من الاعباء المدفوعة على شهادات الايداع التي اصدرها مصرف لبنان، وبالاستناد الى مطالعتين للمستشار كنعان، باستمرار استهلاك التكلفة المتبقية من خطط التصحيح لغاية عام 2037 ضمناً. ما يعني الزام الحكام الذين سيتولون حاكمية المصرف بالإطفاء المحكي عنه لهذا التاريخ.



بيار كنعان .. «مفتي» مصرف لبنان



عيوب العقد الموقع مع المستشار

جدير بالذكر ان عقد مصرف لبنان مع كنعان تشوبه عيوب:

1 - لا يأتلف مع نص الفقرة 3 من المادة 26 من قانون النقد والتسليف، والتي تتحدث عن ان تعيين الحاكم للمستشار يكون لمهام خاصة يمكن ان تتضمن اعداد الدراسات او استكمال تدريب مهني لموظفي المصرف، وليس بتكليفه باشغال منصب مدير لاحدى مديريات المصرف، بدلاً من مدير اصيل يقتضي تعيينه لهذه المديرية الحساسة عملاً بنظام المستخدمين الموضوع تنفيذاً للمادة 66 من قانون العمل وعملاً بالفقرة 9 من المادة 33 من قانون النقد والتسليف.

2 - لا يأتلف مع احكام القانون باشارته وكتاب التكليف المسند اليه الى اتعاب يتقاضاها كنعان من هيئتين منشأتين لدى مصرف لبنان هما لجنة الرقابة على المصارف وهيئة التحقيق الخاصة. فلجنة الرقابة على المصارف، هي عملا باحكام المادة 8 من القانون 28-67، لجنة مستقلة غير خاضعة في ممارسة اعمالها لسلطة المصرف. وبالتالي لا يستقيم الجمع بين تكليف كنعان باشغال منصب مدير الشؤون القانونية والتكليف بمتابعة مهام المستشار القانوني للجنة الرقابة نظراً لامكانية التعارض والاختلاف بالرأي.

3 - لا يأتلف، لا بل يصادر بشكل خطير صلاحيات المجلس المركزي باشارته، اي العقد في المادة 9 منه الى «ان حل كل خلاف ينشأ عن تفسير وتنفيذ العقد يتم بالتحكيم المطلق»، من دون ان يكون المجلس قد اطلع مسبقاً واجرى مذاكرة خاصة بالوضوع، كون العقد يتضمن نصاً تحكيمياً يدخل، كمشروع، من ضمن اختصاصه حسب الفقرة 8 من المادة 33 من قانون النقد والتسليف.

4 - لا يشير الى التعويض الذي يقع على عاتق الاول في حال ادلائه باستشارة قانونية مغلوطة نجمت عنها اضرار بليغة للثاني او للغير.

5- لا يشير الى واقعة التحقق من ان المستشار ليس في موقع يثير شبهة توافر تضارب مصالح، خصوصاً ان له ولدين يعملان كمحاميَين لمؤسسات مصرفية ومالية ومن ضمن المجموعة التي تعمل لتنسيق مواقف المحامين من طلبات المودعين وادعاءاتهم، وايضا لصياغة الموقف الموحد الواجب اعتماده من قبل المؤسسات المصرفية التي يعملان معها ازاء هذه الطلبات وتوجهات مصرف لبنان.



MISS 3