جاد حداد

Netflix Corner

The Forest... متوقّع رغم اختلافه

18 حزيران 2020

02 : 00

في لحظات معينة، يتحدى فيلم The Forest (الغابة) جميع التوقعات. في أفلام الرعب، من الشائع أن نشاهد لقطات مخيفة، حيث تصدح موسيقى مريبة فيما تتجول الشخصيات في أماكن مرعبة. تتصاعد الموسيقى مع اقتراب لحظة الهجوم الحتمية ثم تتعالى الأصوات المتنافرة والمزعجة تزامناً مع اشتداد الصراخ وصيحات الذعر وظهور كائنات مرعبة من جميع الأنواع (وحش، قاتل مقنّع، طفل شيطاني باهت...).

لكن لا يختار المخرج جايسون زادا مقاربة مألوفة في أول فيلم طويل له. تتجول بطلة القصة طبعاً في أماكن مظلمة ومسكونة، لكن لا وجود للموسيقى المرعبة التي ترافق هذا النوع من الأعمال في العادة. بل يتّكل المخرج هذه المرة على تصعيد أجواء التوتر تدريجاً عبر إيقاع الأحداث والأصوات المحيطة بها. وحين يقع المحظور، لا تصدح أي موسيقى صاخبة في لحظات الهجوم المخيفة (لكنّ الصراخ والزعيق موجودان لاختبار ردة فعل الجمهور بدرجة معينة). يدرك زادا بكل وضوح أن المناورات الاعتيادية أصبحت باهتة ومتوقعة. هو لا يعيد ابتكار أفلام الرعب في هذا العمل، لكنه يخفف على الأقل جزءاً من العوامل المألوفة عبر التخلي عن الأصوات الصاخبة المتكررة. لكن لا تدوم هذه الأجواء المختلفة على مر الفيلم. إنه توقّع مبالغ فيه أصلاً بما أن معظم أفلام الرعب الشهيرة تضطر لإنهاء أحداثها بعرض لقطة لوجه كائن مرعب يقترب سريعاً من الكاميرا. لا يتخلى الفيلم عن هذه النزعة وسرعان ما تظهر أيضاً مناورات مألوفة ومبتذلة أخرى. في الوقت نفسه، تتعدد العوامل التي تُعوّض عن العناصر الغائبة رغم عدم تأثيرها على مسار القصة.





يعرض الفيلم قصة "سارة برايس" (ناتالي دورمر) التي تأتي إلى طوكيو بعد تلقي اتصال من الشرطة المحلية لإبلاغها باختفاء شقيقتها التوأم "جيس" (تؤدي دورها دورمر أيضاً). من المضحك أن تعرض "سارة" صورة "جيس" على الناس لأنها تستطيع أن تطلب منهم بكل بساطة النظر إلى وجهها وإضافة عبارة "لكنّ شعرها أسود"! شوهدت "جيس" للمرة الأخيرة في غابة "أوكيغارا"، في أسفل جبل "فوجي"، علماً أن هذه المنطقة باتت تُعرَف باسم "غابة الانتحار" نظراً إلى ارتفاع عدد المنتحرين فيها. تقول الأساطير إن الأرواح في تلك الغابة تقتات على حزن الناس وتدفعهم إلى الانتحار. عاشت الشقيقتان في هذه القصة حدثاً صادماً في الماضي، ما يجعلهما هدفاً سهلاً لتلك الأرواح.

تصرّ "سارة" على البحث عن شقيقتها في الغابة، مع أن الجميع يحذرونها من التوغل في ذلك المكان. يرافقها في النهاية "أيدن" (نايلور كيني)، وهو كاتب في مجلة سياحية يعتبر قصتها مادة مناسبة لنشر مقالة مثيرة للاهتمام، و"ميشي" (يوكيوشي أوزاوا) الذي يقوم بجولات متكررة في غابة "أوكيغارا" بحثاً عن الجثث.

السيناريو من كتابة نيك أنتوسكا وسارة كورنويل وبن كيتاي ويتّسم ببداية سريعة، إذ تظهر المشاهد التي تفسّر خلفية القصة على شكل لقطات من الماضي فيما تصل "سارة" إلى طوكيو، ومع ذلك لا يقع حدث محوري قبل مرور وقت طويل. حين تكشف "سارة" تفاصيل إضافية عن نشاطات "جيس" قبل اختفائها، يعرض الفيلم مشاهد متلاحقة تظهر فيها وهي تمر في أماكن مظلمة ثم تشعر بصدمة قوية وتدرك أنها كانت تحلم (تتكرر عبارة "كان مجرّد حلم" لدرجة أن تقضي على مظاهر التشويق التي طبعت المشاهد الأولى). بغض النظر عن اختلاف مقاربة زادا في معظم المشاهد، لا مفر من أن يغرق الفيلم في مرحلة معينة في دوامة التكرار والأحداث المتوقعة. يبدو موقع الأحداث الرئيسي واعداً: هو عبارة عن مكان حقيقي يسجّل إحصاءات مُحبِطة ومتزايدة لدرجة أن نتساءل عن مغزى استعمال مكان مماثل أو الترويج له. لكن تقتصر مظاهر الرعب على مشاهد عابرة: سُحُب دخان خطيرة في أنحاء الغابة، أشرطة وحبال مربوطة بالأشجار كدليل لإيجاد الجثث المفقودة، نهر يغيّر مساره على ما يبدو لتضليل "سارة". يختصر هذا العامل الأخير معظم جوانب الفصل الثالث من الفيلم، حيث يعجز المشاهدون عن التمييز بين الواقع والخيال. لكن لا ترتكز هذه الأجواء المربكة كلها على خلفية متماسكة أو أحداث منطقية، بل تُستعمَل بكل بساطة لإيصال مسار القصة إلى التحولات الكبرى التي تبقى مخيّبة للآمال.

لا يدوم مفعول المؤثرات المختلفة التي يستعملها المخرج زادا في أولى أجزاء The Forest لفترة طويلة لأن الفيلم يعود ويكرر الأفكار نفسها. لا مفر من أن نشعر إذاً بأن فيلمه هو مجرّد رحلة طويلة لبلوغ نهاية حتمية ومتوقعة.