مضادات الاكتئاب تُخمِد العواطف؟

02 : 00

السيروتونين جزيئة دماغية تنقل الرسائل بين خلايا الدماغ وتنظّم المزاج، لذا ترتبط هذه المادة الكيماوية بشعور السعادة. منذ الستينات، يظن معظم الخبراء أن اختلال السيروتونين ومواد كيماوية أخرى في الدماغ هو السبب الكامن وراء الاكتئاب، لكن لا يزال الجدل مستمراً حول هذه النظرية.

غالباً ما يَصِف الأطباء مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية للمصابين بالاكتئاب. تعيق هذه الأدوية تفكك السيروتونين وإعادة امتصاصها في الخلايا الدماغية، ما يؤدي إلى ارتفاع مستويات السيروتونين في الدماغ وتخفيف حدة الاكتئاب.

لكن قد تعطي هذه المثبطات أثراً جانبياً غير مرغوب فيه، لا سيما عند أخذها لفترة طويلة، فتتراجع الاستجابة العاطفية تجاه الأحداث المزعجة والممتعة. تُعرَف هذه الحالة باسم «التبلّد العاطفي».

لا تزال الآلية التي تجعل مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية تُسبب التبلّد العاطفي مجهولة. لاكتشاف هذه الآلية، يجب أن يفهم الباحثون تأثير تلك المثبطات على العمليات المعرفية أو النفسية.

أجرى فريق من الباحثين في جامعتَي «كامبريدج» و»كوبنهاغن» دراسة على متطوعين أصحاء لتحليل الآثار المعرفية لدواء الإسكيتالوبرام (نوع من مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية) على مر أسابيع عدة. نُشرت نتائج الدراسة في مجلة «علم الأدوية النفسية والعصبية».

يقول البروفيسور فيليب كوين، خبير علم الأدوية النفسية في جامعة «أكسفورد» (لم يشارك في الدراسة الجديدة): «أجرى فريق مميز من الباحثين هذه الدراسة. سيكون اكتشاف معلومات جديدة عن الآثار النفسية والعصبية لأدوية شائعة الاستعمال مثل مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية هدفاً بالغ الأهمية. كان حجم العيّنة (66 مشاركاً) جيداً».

قسّم الباحثون 66 متطوعاً على مجموعتين متناغمتَين من حيث العمر، والجنس، ومعدل الذكاء. أخذ 32 مشاركاً 20 ملغ من الإسكيتالوبرام، وتلقى 34 مشاركاً دواءً وهمياً طوال 21 يوماً على الأقل.

لم يعلم المتطوعون ولا الفريق الطبي طبيعة العلاج التي تلقاها كل مشارك. ثم أنهى المشاركون مجموعة شاملة من الاستبيانات الذاتية والاختبارات العصبية والنفسية لتقييم عدد كبير من الوظائف المعرفية.

يشير مفهوم التعلم المُعزّز إلى العملية التي تسمح للإنسان أو الحيوان باستعمال تجاربه السابقة لتحسين نتائج خياراته المستقبلية. اكتشف الباحثون أن الإسكيتالوبرام يُخفف دقة هذه العملية مقارنةً بالدواء الوهمي في مهمتَين منفصلتَين. كان المشاركون أقل تجاوباً مع التعليقات الإيجابية والسلبية أثناء تعلّم المهام عند أخذ الإسكيتالوبرام مقارنةً بمن أخذوا الدواء الوهمي.

يذكر الباحثون أن جميع القياسات المعرفية الأخرى التي اختبروها في هذه الدراسة، بما في ذلك الانتباه، والذاكرة، ومعالجة العواطف، لم تتأثر بعلاج الإسكيتالوبرام طوال ثلاثة أسابيع.

يفترض العلماء أن تراجع دقة التعلم المُعزز قد يرتبط بالتبلّد العاطفي الذي يختبره بعض المرضى عند أخذ مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية.

تقول الدكتورة كريستيل لانغلي، المشرفة الأولى على الدراسة وشريكة بحثية في قسم الطب النفسي في جامعة «كامبريدج» في بريطانيا: «تعطي هذه الدراسة نتائج عيادية تسمح بالتوصل إلى استنتاج مفاده أن أثر «التبلّد» لدى عدد من المرضى لا ينجم بكل بساطة عن الاكتئاب، بل إنه قد يرتبط بالأدوية المأخوذة أيضاً. لا يعني ذلك أن يتوقف المرضى عن أخذ الدواء، إذ تسمح مجموعة كبيرة من مضادات الاكتئاب بإنقاذ حياة الناس، لكن تُشدد هذه النتيجة على أهمية إجراء أبحاث إضافية لفهم الآليات التي تفسّر طريقة عمل الأدوية».

مع ذلك، يشكك كوين بالرابط القائم بين تراجع دقة التعلم المُعزز والتبلّد العاطفي: «يربط معظم المرضى مفهوم التبلّد العاطفي بالقدرة على اختبار العواطف الإيجابية والسلبية. لكن لم تتضح بعد العلاقة بين التعلم المعزز وهذه التجربة. كذلك، لم يطرح اختبار معالجة العواطف في هذه الدراسة أي أدلة على حصول تبلّد عاطفي، ولم يظهر هذا النوع من المشاكل في مقاييس التصنيف».

تعليقاً على هذه المسألة، تقول لانغلي: «بما أن الدراسة جرت على متطوعين أصحاء، يبقى تفسيرهم لهذا المفهوم الذي يظهر لدى المصابين بالاكتئاب مبنياً على التخمينات. لا بد من إجراء أبحاث أخرى لتحليل هذا الأثر لدى المصابين باضطراب الاكتئاب الحاد».

تقول دوناتيلا مارازيتي، أستاذة في الطب النفسي في جامعة «بيزا»: «بشكل عام، تحتاج مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية إلى مدة تتراوح بين 4 و8 أسابيع لإعاقة ناقل السيروتونين وإعطاء أثر مضاد للاكتئاب. قد يفترض البعض أن تراجع دقة التعلم كان عرضياً أو أنه قد يختفي أو يتفاقم على المدى الطويل. لكن لم يسمح حجم العيّنة في الدراسة بالتمييز بين الاختلافات القائمة بين الجنسين، ولا يمكن نَسْب أثر دواء الإسكيتالوبرام إلى أنواع أخرى من مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية التي تنشط على نطاق أوسع».

تعليقاً على الموضوع، يقول البروفيسور غاي غودوين، أستاذ فخري في الطب النفسي في جامعة «أكسفورد»: «لا تقيس الدراسة للأسف مستوى التبلّد العاطفي الذي يشير إلى تجربة ذاتية. إنها فرصة ضائعة لأن الباحثين كانوا يستطيعون أن يسألوا المشاركين مباشرةً عن تبلّدهم العاطفي».

في مطلق الأحوال، تبرز الحاجة إلى فهم الآليات الكامنة وراء التبلّد العاطفي المرتبط بمثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية. لفهم أثر الإسكيتالوبرام على الدماغ أثناء استكشاف المكافآت، تُخطط لانغلي وزملاؤها لإجراء دراسة لتحليل بيانات التصوير العصبي.


MISS 3