حافظ على صحّة قلبك عن طريق الرياضة

02 : 00

إذا كنت تمارس المشي السريع، فستلاحظ بعض التغيرات الفورية في جسمك، فيخفق قلبك ويتسارع إيقاع تنفّسك، وقد تشعر بنبضٍ في عضلات ساقيك. لكنك قد لا تقدّر حجم التغيرات الفيزيولوجية الأخرى التي تحصل داخل جسمك أثناء ممارسة الرياضة، علماً أن جزءاً منها يعطي منافع مشابهة لأدوية شائعة الاستعمال.

تستطيع التغيرات التي تُحدِثها الرياضة أن تكبح عوامل الخطر المُسبّبة لأمراض القلب أو تُحسّنها، بما في ذلك ارتفاع ضغط الدم، والسكري، والبدانة، ومستويات الكولسترول غير الصحية. يقول طبيب القلب آرون باغيش من جامعة «لوزان» السويسرية: «قد تسمح التمارين الجسديّة بتحسين المشاكل النفسية، مثل الاكتئاب والضغط النفسي، وهي مسبّبات شائعة لمشاكل القلب والأوعية الدموية لكن يغفل عنها الكثيرون».

تسهم النشاطات الجسدية أيضاً في إطالة العمر لأن التمارين المنتظمة قد تمنع الوفاة المبكرة بسبب أمراض القلب. إنه الاستنتاج الذي توصلت إليه «مجلة الكلية الأميركية لأمراض القلب» التي فصّلت آثار التمارين الواقية على مستوى القلب، في 13 أيلول 2022.

تقوية القلب

مع مرور الوقت، تزيد التمارين الجسدية حجم الحجرتَين وتُكيّف القلب مع المستجدات. نتيجةً لذلك، يسترخي القلب بسهولة مضاعفة ويضخ الدم بفاعلية متزايدة كونه لا يحتاج إلى المستوى نفسه من الجهود لإرسال الدم إلى جميع أنحاء الجسم.

تحسين الأوعية الدموية

ينجم ارتفاع ضغط الدم عن تصلّب الشرايين وقلّة مرونتها. تزيد التمارين الجسدية كمية الدم التي تجري في أنحاء الجسم بنسبة تصل إلى 25%، ما يشجّع الأوعية الدموية على التوسع قليلاً وسرعان ما تزيد مرونتها مع مرور الوقت. كذلك، تُكثّف النشاطات الجسدية إنتاج جزيئة أكسيد النيتريك التي ترخي الأوعية الدموية وتُوسّعها.

قد تسهم تمارين بناء العضلات والأيروبيك في تخفيض ضغط الدم قليلاً لدى أصحاب الضغط الطبيعي. وإذا كان ضغطك مرتفعاً (130/80 ملم زئبق وما فوق)، يزيد متوسط التراجع المتوقع (بين 5 و7 نقاط في الضغط الانقباضي)، ما يساوي التراجع الذي يختبره الناس عند أخذ دواء تخفيض الضغط.

بناء العضلات

خلال النشاطات الجسدية، تطلق العضلات بروتين «غلوت-4» الذي يحسّن قدرة الجسم على تفكيك الغلوكوز لإنتاج الطاقة، وهي تقوم بذلك جزئياً عبر جعل الخلايا أكثر حساسية تجاه هرمون الأنسولين الذي يُمكّن الخلايا من امتصاص الغلوكوز. لهذا السبب، قد تحمي الرياضة الناس من النوع الثاني من السكري وتسهم في معالجته. إذا مارس جميع الناس ما يكفي من التمارين الجسدية، سيختفي هذا النوع من مرض السكري بشكلٍ شبه كامل لأنه نتاج أسلوب الحياة المعاصر الذي تتراجع فيه الحركة الجسدية. لم يكن النوع الثاني من السكري الذي يرتبط بالوزن الزائد موجوداً في المجتمعات البدائية، حيث كانت النشاطات الجسدية أسلوب حياة بحد ذاته.

يستطيع أي نوع من التمارين أن يُخفّض مستوى الهيموغلوبين السكري بمعدل 0.7 نقاط، أي ما يساوي التراجع الذي تضمنه أدوية السكري. يقيس الهيموغلوبين السكري كمية سكر الدم في آخر ثلاثة أشهر. يكون المستوى الطبيعي أقل من 5.7%، ويصاب الفرد بالسكري إذا بلغت هذه النسبة 6.5% وما فوق.

أيض متبدّل

يظنّ الكثيرون أن التمارين الجسدية تساعد الناس على حرق السعرات الحرارية وإنقاص الوزن، لكن لا يكون الوزن المفقود كبيراً إلا إذا ترافقت الرياضة مع حمية صحية ومتوازنة وقليلة السعرات الحرارية. في المقابل، تسهم النشاطات الجسدية في تقليص الدهون الحشوية (إنه النوع الذي يتراكم حول الكبد وأعضاء أخرى ويرتبط بزيادة مخاطر أمراض القلب). كذلك، تبيّن أن الرياضة تُخفّض مستوى الشحوم الثلاثية ومعدل الكولسترول السيئ بدرجة بسيطة.

منافع دماغية

يقال إن التمارين المنتظمة تسهم في إخماد استجابة «الهرب أو المواجهة» التي تؤثر على الضغط النفسي المزمن والقلق. كذلك، قد تطلق الرياضة عناصر كيماوية طبيعية تعطي أثراً مشابهاً للقنّب، فيزيد الشعور العام بالراحة. على صعيد آخر، تبيّن حديثاً أن حصة واحدة من التمارين المعتدلة طوال 30 دقيقة تطلق عدداً من البروتينات في مجرى الدم، بما في ذلك عامل التغذية العصبية المستمدّ من الدماغ. ينعكس هذا العامل مباشرةً على وظيفة الدماغ، لا سيما المزاج وقدرات التفكير. هذه الآثار كلها قد تفسّر السبب الذي يجعل تمارين الأيروبيك المنتظمة فاعلة بقدر الأدوية المضادة للاكتئاب.

أخيراً، قد يحصد القلب جزءاً كبيراً من منافع التمارين، لكنّ تأثيرها على الدماغ هو أول دافع لبدء التحرك. قد لا تشعر بأن مستويات أكسيد النيتريك ترفع ضغط دمك أو تُخفّضه، لكنك ستشعر حتماً بمنافع الرياضة العاطفية فوراً.


MISS 3