شربل داغر

أمنيات لسنة صعبة

29 كانون الأول 2023

02 : 00

أتحقق من أن لي أسماء مختلفة، بل كنيات بالأحرى: «ابن داغر»، «ابو هالة»، «عمو»، «خالو»، «ابن عمي»، «دكتور»، «بروفسور»، «الكاتب»، «الشاعر»، «الروائي»، «المترجم»، «الدارس»، «الجامعي»، «اللغوي»، «الأديب»، «المفكر»، «الفيلسوف»، وغيرها مما لا يرد في تدافع هذه الهويات.

هي ناقصة، جزئية، عابرة، ما دمتُ لا أعرفني فيها: أعرف بعض ما أقوم به، ما أشتغل فيه، ما يربطني بعلاقات قرابة أو نسب... أهذه تكون أنا؟

أهذه أنا، وأجدني أتناقص مع تقدم العمر، وأرزح في مكاني مثل حِمل ثقيل، فيما لا يشفع بي نظري، من شرفة بيتي، في استبيان أفق أمامي؟

أيكفيني أنني كتبتُ، وهو ما كنت أحلم بأن أكون عليه منذ الثانية عشرة من عمري؟ أيكفيني أنني تزوجتُ، وكانت لي ابنة وحيدة، مثلما رغبتُ في ذلك في شبابي؟ أيكفيني أنني شعرتُ بالهزيمة في مطلع شبابي، مع انفجار الحروب في لبنان، فما تماديتُ في الانضواء في أي تجمع، أو عقيدة، أو رجاء؟ أيكفيني أنني تمسكتُ بصحوة اليأس؟

لعل هذه وغيرها مكتسبات، لكنها سلبية، وإن تخفف من وحشة الانكفاء على النفس.

أفكر في هذا، وأنا أودع سنة من عمري مع نفسي، ومع غيري.

فأنا عرفتُ، منذ سنوات طفولتي الأولى، تهريب والدي لي في الحرب التجريبية، في ربيع 1958، من بيروت إلى القرية، قبل أن تطردني حرب 1975 إلى باريس، وقبل أن أعود إلى بيروت من جديد مثل المنفي، لأشهد تتابع الحروب حتى... اليوم.

أيكفيني أنني تخلصتُ من أحلام على أنها أوهام، ومن أوهام وجدتُها مخضبة بدماء؟ أيكفيني أنني أرى التقدم يعود إلى وراء، وأن ما كان منبوذاً يصبح القاعدة في النظر «الواقعي»؟ أيكفيني أن أتعلم مغازي «التكاذب» بين الخطاب «الوطني» وبين «ضيق» استهدافاته المحلية؟

ذلك أنني لا أجد في ما يحيطني ما يصلح لجردة حساب، وأنا أفقد تعويضي، وما جمعتُه لشيخوختي، في عتمة المصارف الفارغة.

مع ذلك تبقى الحياة هبة، نعمة، إذ أخلد إلى ما يَجمعني بنفسي، في لهوي كما في عبثي. ذلك أن هناك ما دفعني في ممرات هواء، فسلكتُها بنفسي من دون هوادة. ما دفعني كانت تلك الرغبة التي لها أقدام وألسنة وفضاءات. الرغبة في أن أبتكر نوافذ وشرفات في ضيق الأمكنة، ومتعاً ومباهج في بؤس الوجود.

هذه المتع فردية، لا تخص الكاتب، ولا الجامعي، ولا الصفة الاجتماعية، بل تخصني في كياني.

لم تكن هذه كلها، وغيرها، احتمالات في قصيدة وتجليات لها، بل كانت خطوات الفتى في صنداله البعيد، إذ يعدو ويلهو ويَعبر.

أكتب هذا، وأنا مُقعد في سريري منذ شهر، حالماً بما ستكون عليه حياتي بعد هذه السنة الكريهة.

كل عام وأنتم بخير، على أن تستقبلكم أمنياتكم الخاصة في قادم السنة.

MISS 3