عامان على الاستشهاد المفجع
أمّهاتٌ ثكالى وأرامل وجرحٌ لا يندمل

09 : 28

مع والدة شهيد

يقولون لها: "إفرحي، إفرحي وافتخري فأنتِ والدة الشهيد!"، ولكن كيف يمكن لامرأة أن تفرح وهي قدّمت فلذة كبدها شهيداً على مذابح الوطن؟ كيف لسيّدة حملت ابنها تسعة أشهر في قلبها أن تضعه لعمرٍ كامل تحت التراب؟ وماذا تفعل بفخرٍ فيما الشوق والحنين يدميان قلبها؟!.

لفّ الحزن لبنان صباح 27 آب 2017 بعد العثور على رفات ثمانية عسكريين مخطوفين لدى تنظيم داعش الارهابي منذ آب 2014.

حزنٌ ودموع لثكالى وأرامل وأيتام لا تقوى السنون على محوها. بعد عامين على الخبر المفجع ولمناسبة عيد الجيش زرنا أمّهات وزوجات بعض من استشهدوا بعدما خطفهم "داعش"...

قصدنا بلدة فنيدق الواقعة في جرود عكّار. الفقر والعوز باديان في شوارعها وبين أزقّتها: بيوت متراصّة، عددها يقارب الـ3000 منزل. أبوابها مفتوحة للجميع. بين جدرانها حكايات لأفراد يناضلون ويكابدون لسدّ رمقهم من عرق جبينهم. عائلات نذرت سواعد أولادها في خدمة الوطن والجيش. دخلنا بيتين، الأول للشهيد حسين عمّار والثاني للشهيد خالد حسن.

تُبقي آمنة، والدة حسين، بابها مفتوحاً، فهي تأبى إغلاقه "خوفاً من أن يصل ابنها فلا تراه". وتقول: "المصيبة كبيرة. فجرح الشوق لم ولن يندمل". ثم تؤكد أنّ "الموت أسهل عليها من هذا الفراق الصعب". تعود آمنة بذكرياتها خمس سنوات الى الوراء، حين رأت ابنها المخطوف في القلمون السورية. تغرق في حزنٍ بالغ. تفلت دمعتها وهي تقول: "كان في حالة يرثى لها، تركوه بدون طعام ولا شراب ولا حتى كساء".

ليست والدة الجندي الشهيد خالد مقبل أفضل حالاً، فقد رأت بكرها في جرود عرسال، قائلة: "لم أعرفه في البداية، إلّا بعد صراخه "أمّي، أمّي"، ظننته من الدواعش، فمظهره كان مرعباً للغاية. لكنّه ركض نحوي وضمّني إليه فعرفته على الفور". تضيف بغصّة: "كان الجندي الداعشي يقول لي: سنذبح ابنك من الوريد الى الوريد. وهكذا حصل!".


شهداء الجيش اللبناني


كانت تراه ميتاً في حلمها قبل معرفتها بالخبر المؤلم. "قلبها محروق وجرحها لن يندمل"، تؤكد. فخالد كان يتيماً وربّته "بالشّبر والندر".

حفيدها مقبل بلغ السادسة من عمره. سينمو وينسى مع غبار الايام طيف والده خالد، لكنّه سيعيش على ذكرى جنديّ بطل يسمع عنه من الأحبّة والأقارب. يوضح مقبل أنّه يتذكر القليل عن والده، ويصيح: "اشتقت كثيراً الى ضمّته وقبلته".

ومن فنيدق الى القلمون في طرابلس. حطّ رحالنا في منزل الجنديّ الشهيد ابراهيم مغيط. استقبلتنا فتاة شقراء في الخامسة من العمر. إنها ماريا ابنة الشهيد الذي لم تعرفه يوماً. والدتها كانت حاملاً في بداية شهرها الرابع حين خُطف ابراهيم. تأسف ريم لأنّ "ابنتها تنمو بدون والد يحميها أو يخاف عليها".

ما زالت أم عمر تعيش على ذكرى زوجها "البطل" مؤكّدة أنّها "ما زالت تكابد في الحياة بفضل أولادها"، معربةً عن "حزن وألم شديدين لغياب زوجها عنها".

أما عمر الغلام، فما زال يذكر سحنة والده والأوقات التي كانا يقضيانها معاً. يتمنّى أنّ "يضمّ والده مرّة بعد وأن يذهبا الى المسبح كما كانا يفعلان".

شهداء الخدمة، شهداء ساحة الشرف، وشهداء الواجب. هكذا يصنّفون ولكنّهم في نهاية المطاف يكفّنون بلواء وطن واحد ما زال مستمرّاً بفضل مقاومتهم ودفاعهم عن أرضه وشعبه وتاريخه.

وتبقى والدة الشهيد وزوجته الشريكة الوحيدة في قول جبران خليل جبران: "ما زلت أؤمن أنّ الإنسان لا يموت دفعة واحدة، وإنّما يموت بطريقة الأجزاء. فكلّما رحل صديق مات جزء، وكلّما غادرنا حبيب مات جزء، وكلّما قُتل حلم من أحلامنا مات جزء، فيأتي الموت الأكبر ليجد كل الأجزاء ميتة فيحملها ويرحل".


MISS 3