حسان الزين

البيئة الخصبة للإحباط

30 كانون الأول 2023

02 : 00

ثمة إحباط في لبنان. خطابه، الخاصّ والعام، ينتشر بسرعة.

الجميعُ، كلٌّ من موقعه، ولكلِّ موقع أبرياء ومذنبون، يتّهمون النظام والممسكين به، والخارج... والقائمة تطول.

ولا يكف اللبنانيّون واللبنانيّات، بصدق أو لغايات في نفس يعقوب، عن تكرار اليأس من السياسة وأهلها، وتكذيبها وعدم تصديقهم، وعن تأكيد أن البلد لا يتغيّر، بل يتدهور... وكثيراً ما يُقرن اتهام قوى السلطة بإدانة الشعب الساكت والمتواطئ مع الفساد وخرق القوانين وتدمير الدولة والتبعية للخارج...

لا شكّ في ذلك. وتتحمل قوى السلطة مسؤولية ما جرى ويجري. لكنّ مشكلة الإحباط أنه يبرّئ ذات الناطق به. وهذه أخطر من أنه يَخدم المتسبّبينَ به ويتركهم في مواقعهم وحالهم، فيواصلون ما تسلّطوا لأجله.

مشكلة الإحباط تتجاوز أنه استقالة من المواطنة. مشكلته أنه يُعفي القائل به من مساءلة نفسه، كذات واعية، كإنسان.

وهنا عقدة العقد. هل سأل القائلُ بالإحباط ماذا فعل؟ هل وضع ما فعله تحت مبضع التشريح والتحليل؟ والأهم من ذلك: هل سأل ماذا عليه أن يفعل، تجاه نفسه أولاً، وتجاه مجتمعه وبلده ثانياً؟

في هذه الحال، أي في حال طرح الأسئلة، يُفهم الإحباط، ويؤخذ على محمل الجد. أمّا في حال أنه جواب جاهز، فيستدعي التساؤل.

الإحباط، كأي موقف، يجب أن يكون خلاصة تفكير ومساءلة ومراجعة.

لنفترض أن اللبنانيّين واللبنانيّات مشغولون في شؤون الحياة وهمومها. هكذا يقولون، وهم ينتظرون أن يأتي أهلُ الحلِّ والربطِ بحلولٍ ودولة ووطنٍ ديليفري. علماً أن الاستقالة هذه مرتبطة بثقافة اجتماعية عميقة تبرّئ الذات وتمنحها مشروعية أن تدبّر مصالحها الخاصة. وفيما يمارس البعضُ ذلك جهاراً نهاراً، يجد البعضُ حاجة إلى غطاء أخلاقي، فيُستعان في هذه الحالة بالإحباط وقاموس الانسحاب من الشأن العام والاكتراث به.

لكن، أين القوى السياسية من هذا؟ فهذه، التي يُفترض ألا تنشغل عن إزالة أسباب الإحباط، نجدها تُسهم في تكريسه وخطابه، من تبرئة الذات إلى اتهام الآخر، ومن عدم تقديم أيٍّ منها أيَّ مشروع أو أيَّ نصٍّ يقول ما هي وما تسعى إليه، إلى عدم قيام أيٍّ منها بمراجعة ما فعلت وما بات عليه البلد. فكما مراجعة الذات وأعمالها ليست تقليداً لبنانيّاً، كذلك هو تقديم نصٍّ ومشروعٍ وبرنامج عمل ليس عادة سياسية أو واجباً. وفي هذا، جعلُ السياسة شفهية ارتجالية من جهة، وجعلُ ارتباط الناس والمحازبين بالقوى السياسية بناء على الهويّة والمصلحة من جهة أخرى. وفي هذا المناخ، الشفهي الارتجالي والهويّاتي المصلحي، يتراجع التقييم وتتقلّص الحاجة إلى مشروع وبرنامج عمل.

هكذا، تتضافر أسبابُ الهروب الجماعي من المراجعة ومن إنتاج مشروع سياسي. وفيما يَمنح اللبنانيون واللبنانيّات المشغولون فرصة للقوى السياسية، كلّها، بما في ذلك الاعتراضية الاحتجاجيّة، تستسلم هذه للعبة القديمة نفسها القائمة على عصبية الهوية والمصلحة، وتكرّر خطاباتها ذاتها الشفهية الارتجالية والخالية من المراجعة وتقديم مشروع وبرنامج عمل.

ففي مقابل استقالة اللبنانيين واللبنانيّات من السياسة وثقافتها والتفكير فيها، وعلى الرغم من ذلك، تعمل القوى السياسية لاحتكارها، ومن دون أن تقدّم ثقافة وفكراً.

إنها رعاية الإحباط وتوفير بيئته الخصبة.

MISS 3