مايز عبيد

النزوح شمالاً: التحدّي أكبر من قدرات الجيش

30 كانون الأول 2023

02 : 00

لا حلول حقيقية قد طرأت

ينتهي عام 2023 على موجات نزوح جديدة تشهدها الحدود الشمالية مع سوريا، ضاعفت حدّتَها أوضاعُ الداخل السوري المعيشية، وعدم القدرة على تأمين احتياجات الحياة بأي شكل، وجاءت لتفاقم أزمة النزوح التي يرزح تحتها لبنان منذ عام 2011 أي بداية الحرب السورية.

موجات النزوح الجديدة بدأت بالتصاعد اعتباراً من منتصف السنة، في بلد يغصّ بمليون ونصف مليون نازح سوري بحسب تقارير رسمية، وأكثر من مليونين ونصف مليون نازح بحسب تقارير غير رسمية. وأكثرية النازحين في الموجة الجديدة، لم تكن وجهتهم ونيّتهم الاستقرار في لبنان بقدر ما كانت استخدام مياهه البحرية للهروب بالمراكب غير الشرعية عبر البحر إلى السواحل الأوروبية، ولا سيّما أنّ هذه الرحلات لم تتوقف، من دون إغفال أنّ جزءاً من هؤلاء اختاروا الهرب من سوريا إلى لبنان بطرق غير نظامية من أجل الاستقرار تمهيداً للعمل، وامتزجوا مع سكان المخيّمات.

وإلى جانب عصابات ومافيات التهريب التي تتولّى ترحيل الأشخاص عبر البحر، نشطت عصابات تهريب أخرى، ولكن عبر البرّ، مهمّتها تأمين تسلّل الأشخاص من الداخل السوري إلى الداخل اللبناني وحمايتهم. وتؤكد المعلومات أنّ تنسيقاً يحصل بين لبنانيين وسوريين من أجل إتمام عمليات التسلّل مقابل مبالغ مالية تتراوح ما بين 100 و300 دولار عن كل شخص و500 دولار عن العائلة التي تتألّف من 3 إلى 5 أشخاص، بحسب طبيعة المهمة وسهولة الطريق أو صعوبتها. ويتولّى فوج الحدود البرّية الأول في الجيش اللبناني مراقبة هذه الحدود الطويلة وضبطها، بعناصر لا يتجاوز عددها 1200 عنصر. وبحسب معلومات أمنية لـ»نداء الوطن» فإنّ هذا الفوج عانى كثيراً ولا يزال من مسألة ضبط الحدود في الأشهر الأخيرة، علماً أنّ طول الحدود يحتاج إلى 10 أفواج لتغطيتها، الأمر الذي يصعّب مهمّة الجيش ويعقّدها، ناهيك عن أنّ الكاميرات وأبراج المراقبة الموجودة في المراكز العسكرية البالغ عددها 31 مركزاً لا تعمل دائماً لأسباب لوجستية وفنية. يذكر في هذا الصدد أنّ الحدود الشمالية مع سوريا واسعة ومترامية، وتكاد تزيد على 110 كيلومترات.

إشتباكات متواصلة

الإشتباكات بين الجيش والمهرّبين كانت سمة المرحلة الماضية، إذ لم يخلُ يوم من أخبار عن تسلّل أو محاولات تسلّل غالباً ما كان الجيش يتصدّى لها وينجح في توقيفها. ويلفت المصدر الأمني عينه إلى أنّ عدد المتسلّلين خلسة قد تجاوز 400 شخص في اليوم الواحد، خصوصاً في أشهر آب وأيلول وتشرين الأول، وقد ضبط الجيش في آب الماضي وحده قرابة 7000 نازح متسلّل، أكثريتهم من فئة الشباب. وذلك على عكس موجة النزوح الأولى في بداية الحرب السورية، ومعظمهم من الريف الشمالي من مناطق إدلب ودير الزور والقامشلي، أي المناطق التي لم تشهد نزوحاً كثيفاً في البداية، وبعضهم كان يقطع آلاف الأمتار سيراً في الأراضي الزراعية بين وادي خالد وأكروم وعندقت لكي لا يتمكّن حاجز شدرا العسكري وكاميراته من اصطيادهم. وقد أثارت هذه الموجة المخاوف من أن يكون بعض المتسلّلين مكلّف القيام بمهمات أمنية لزعزعة الاستقرار.

ويرى مراقبون أنّ تعامل حكومة تصريف الأعمال مع ملف النزوح المستجدّ لا يزال قاصراً. فالدولة اللبنانية لا تملك خطة واضحة للحدّ من النزوح أو لمنعه، بالإضافة إلى أنّ التعاون مع الجانب السوري وكل الزيارات الرسمية لم تؤد إلى نتيجة لصالح لبنان؛ وبقيت الحدود مشرّعة.

وزارة الداخلية التي حاولت أكثر من مرّة وبعد كل اجتماع أمني رمي جزء من المسؤولية على البلديات وإرسال كتب للمحافظين وخلايا الأزمة في المحافظات لتعداد النازحين وضبط تحرّكاتهم ومخيّماتهم، كانت تُجبه برفض البلديات هذه القرارات حيث تتذرّع الأخيرة بعدم قدرتها على تنفيذ القرارات نتيجة شحّ الأموال في صناديقها.

الأشهر الأخيرة من سنة 2023 حملت طلب الجيش من الأمن العام والأجهزة الأمنية الأخرى المساعدة في ضبط الحدود ومراقبتها وعقد أكثر من اجتماع تنسيقي لهذه الغاية، إلا أنّ المعلومات أكدت أنّ صعوبات تحول دون تحقيق ذلك، إذ لا يمكن للأمن العام المساعدة في المهمّات العسكرية، فيما ينشط عناصره على خط النزوح بمهمات أخرى تتعلّق بالسفر والإقامة...

وذكر مصدر عسكري شمالي لـ»نداء الوطن» أنّ القضاء لم يتجاوب بالشكل المطلوب مع مهمّات الجيش، إذ سرعان ما يطلق المهرّبين بعد تسليمهم، مقابل كفالة مادية أو وساطة، متوقّعاً أن يبقى ملف النزوح ضاغطاً خلال السنة الجديدة، لأنّ لا حلول حقيقية قد طرأت.

MISS 3