عيسى يحيى

النزوح بقاعاً: معاناة المُضيفين والضيوف

30 كانون الأول 2023

02 : 00

يُسدِلُ العام الحالي ستاره على أحداث جرت، وتتساقط آخر أوراق أيامه إيذاناً ببدء عام جديد يمنّي اللبنانيون أنفسهم بأن يكون أفضل من ذي قبل، وأن يحمل معه تباشير الراحة التي ينشدها كثيرون ضاقوا ذرعاً منذ أزمة 2019.

تصدّر النزوح السوري المشهد بقاعاً بكل أعبائه وتبعاته التي يرزح تحتها لبنان منذ عام 2011. وبعد المعاناة المريرة التي تكبّدتها البلدات والقرى البقاعية التي استقبلت النازحين على مدار تلك السنوات، عاد الحديث مطلع آذار المنصرم عن ضرر هذا النزوح، خصوصاً أمنياً، لجهة عصابات السرقة التي ذاع صيتها، وتضمّ أفراداً من التابعية السورية سرقوا عدداً من المنازل، ومحوّلات كهرباء وأسلاكاً نحاسية، وشارك بعضهم في تجارة المخدّرات، إذ لم تخلُ مداهمة للجيش من توقيف عدد منهم. إضافة إلى الانقسام الحاصل بين المضيف اللبناني والنازح السوري بعد الأزمة الاقتصادية والتقديمات التي يتلقّاها الأخير من الجهات المانحة بالفريش دولار، واستمرار تدفّق العديد منهم خلسة إلى المخيّمات.

ومع انعكاس مخاطر النزوح على الواقع الاجتماعي والديموغرافي، وبدء مقاربة الملفّ جدّياً بعقد اجتماعات لتدارك الخطر في ظلّ تلكّؤ المجتمع الدولي وإيجاد الحلول المناسبة، ولا سيّما العودة الطوعية التي سلكت طريقها نحو التنفيذ، قبل أن يحول تدخّل المنظمات والجهات المانحة دون استكمالها، عاد الحديث في أيار عن موجة نزوحٍ وتسلّل عبر المعابر غير الشرعية بعد الزلزال الذي ضرب تركيا والمناطق السورية، ولا سيما مدينة حلب، ناهيك بغياب «الداتا» والإحصاءات الموحّدة بين الجمعيات والمنظمات التي تعمل كلّ منها وفق روزنامة وأجندة خاصتين، حيث دقّت البلديات والجهات المعنية ناقوس الخطر خوفاً من انفجار سكاني بعد الزيادة الملحوظة التي شهدتها المخيّمات في أعداد النازحين.

بعدها بدأت الدولة تحريك ملف النزوح جدّياً ووضعه على السكة الصحيحة، بتسجيل الراغبين في العودة الطوعية لدى البلديات والمحافظين، وإجراء عمليات مسح للسوريين القاطنين فيها، وترافق ذلك مع انطلاق العودة عبر معبر الزمراني في جرود عرسال، ومنه إلى بلدة جراجير السورية بعد التنسيق بين الدولتين، وكانت العملية مرتبطة بموافقة الدولة السورية على الأسماء، بحيث تمتنع العائلة عن العودة إذا لم يوافق على اسم الزوج إذا كان لديه ملف أمني.

إلا أنّ بشائر العودة اصطدمت بموجة نزوح ثانية بدأت في أيلول إثر تحرّك التظاهرات في سوريا مجدّداً، ولا سيّما في محافظة السويداء احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وبدء دخول النازحين بأعداد كبيرة عبر المعابر غير الشرعية التي كانت تستعمل لتهريب البضائع والمواد الغذائية. ورغم إقفالها من قبل الجيش اللبناني، استحدث المهرّبون غيرها، في ظلّ عدم تمكّن الجيش من تغطية تلك المساحات الكبيرة وشريط الحدود الشمالي الشرقي بين لبنان وسوريا.

وعليه، عمل الجيش اللبناني جاهداً للتخفيف من وتيرة تدفّق النازحين الجدد، ونجح في كبح جماحه بفعل الإجراءات الأمنية التي اتّخذها على طول الحدود، وتوقيف عشرات الهاربين يومياً، إضافة إلى إغلاق المعابر والمنافذ التي يتسلّل منها النازحون ويستخدمها المهرّبون. كذلك كان لعملية «طوفان الأقصى» وتداعيات الحرب في غزة، وانعكاسها على الداخل اللبناني والحدود الجنوبية، الأثر في التخفيف من وطأة النزوح السوري الثاني.

تحدّياتٌ جمّة تواجهها الدولة اللبنانية اليوم، وتستقبل العام الجديد وعلى كاهلها الكثير من الواجبات والمسؤوليات، فيما تبقى الأولوية لملفّ النزوح السوري الذي يجب مقاربته والبحث عن حلول جدّية تريح البلدات المضيفة، خصوصاً في البقاع الذي يضمّ العدد الأكبر من النازحين. ويأتي في طليعة الحلول إجراء مسح جدّي وشامل لأعداد النازحين على مختلف الأراضي اللبنانية، وتسلّم «الداتا» من المنظمات الدولية، والتنسيق مع الدولة السورية لإعادة الراغبين منهم، والعمل على حلّ المشكلات التي تشكّل عائقاً أمام تلك العودة، خصوصاً الأوضاع الأمنية، وتخفيف التقديمات المادية والاجتماعية التي تشكّل دافعاً للنازحين للبقاء، والضغط على المجتمع الدولي لتأمين تلك المساعدات ضمن الأراضي السورية للعائدين، حيث هدّدت المنظمات والجهات المانحة الراغبين في العودة منتصف العام بقطع المساعدات في حال عودتهم.

MISS 3