بشارة شربل

أي سيادة... أي انتهاك؟

4 كانون الثاني 2024

02 : 00

تصوير فضل عيتاني

يمكن للرئيس ميقاتي والوزير بو حبيب الاستمرار بمداهنة «حزب الله» وممالقته ومحاباته الى أبد الآبدين، من غير أن يغيّر ذلك قناعة أكثرية اللبنانيين بأن دورهما تضليلي وغير مسؤول ولا يتناسب والمقام. ولكُنَّا نسينا الحُجة السخيفة التي تواجِه بها الحكومة وآلة «الممانعة» مطلب تطبيق القرار 1701 من خلال دعوتهما اسرائيل الى تطبيقه أولاً رغم علمهما بأنها «كلام حق يراد به باطل»، لو ان المستمتع بأختام بعبدا ووزيره اللطيف لم يكملا المسرحية بتقديم شكوى عقيمة الى مجلس الأمن يطلبان فيها إدانة انتهاك اسرائيل للسيادة بقصفها الضاحية، وكأن الدولة أدَّت قسطها للعلى إزاء الشعب اللبناني «وكان الله يحبُّ المحسنين».

ومثلما ستضاف الشكوى الى ملف الاعتداءات الاسرائيلية السميك، فنحن لسنا هنا في معرض إثبات إضافي لإجرام الدولة العبرية من خلال استهداف صالح العاروري. غزّة بحجَرها المدمَّر وبشَرها الرازح تحت المجزرة منذ ثلاثة أشهر شاهدٌ دائم على «الجريمة ضد الانسانية» التي يقترفها الاحتلال. لكن ذلك لا يعني أن يُساق اللبنانيون الى مصير مماثل لأنّ المحور الإيراني قرر رفع التحدي عند جبهتنا الجنوبية، فيما الحكومة تتلهى بقشور الشكاوى وتنأى بنفسها عن مواجهة حقيقةِ أن لا مصلحة للبنان لا بـ«حرب المشاغلة» التي يخوضها «الحزب»، ولا بتحوّل أرضه مرتعاً لـ«وحدة الساحات» التي استجرَّت «وحدة القصف والاعتداء».

سيكون مثيراً للسخرية لو أَرفق مندوب لبنان في نيويورك، مثلاً، شكوى معلمَيْه، بتصريح اسماعيل هنية الذي يعتبر استهداف العاروري «انتهاكاً لسيادة لبنان». وسيكون مخجلاً لو أُحرج رئيس بعثتنا لدى الأمم المتحدة بسؤال من أحد نظرائه الخبثاء عمَّا اذا كان العاروري لبنانياً؟ وهل هو من فلسطينيي لبنان النازحين منذ 1948؟ أو هل دخل بعد «أيلول الأسود» 1970؟ أو هل منحه المرشح الرئاسي اللواء البيسري أو سلَفه المدير العام للأمن العام تأشيرة دخول شرعي وإقامة مديدة تجيز له فتح مكاتب لحركة «حماس» وقيادة جُهد عسكري وإعلامي من بلاد الأرْز؟

والواقع المخزي لا يعود الى ذريعة «تصريف الأعمال» التي تجعل الحكومة مسؤولة وغير مسؤولة، تعقد الصفقات ولا تحاسَب في مجلس النواب، تحضر للدفاع عن مصالح المافيا وتغيب حين يتوجب الحرص على ودائع الناس وقوت الفقراء وسيادة البلاد، بل لأنّ حكومات ما بعد «الطائف» مذ اعتمدت «الثلاثية» الشهيرة، تمارس المخاتَلة ودفن الرأس في الرمال. وإذا سلّمنا جدلاً بأنها تتغطى بالبيانات الوزارية لتبرير السلاح غير الشرعي، فهي مُدانة بالسكوت عن انتهاك الفصائل الفلسطينية القانون بتكوين جماعات مسلحة تطلق الصواريخ من الجنوب متنكّرة لشرعيتين: الدولة اللبنانية المُسرفة بالضيافة، والسلطة الفلسطينية التي جاهرت بلا جدوى السلاح داخل المخيمات وخارجها.

لا أحد يناقش حق الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال داخل فلسطين وبالطريقة التي يرونها مناسبة. والكل يستنكر أي عدوان يتسبب بمقتل أي مقيم على الأراضي اللبنانية. لكن مصلحة لبنان العليا تبقى فوق كل اعتبار. ولن تتحقق إلا باحترام سيادة الدولة ومنع تحوّل لبنان ساحةً مستباحة، دَفع ثمنها العاروري وينوء بها لبنان على كل المستويات.

MISS 3