جوزيف حبيب

"شيطنة" ترامب تُعزّز حظوظه الرئاسية

5 كانون الثاني 2024

02 : 00

يتفوّق ترامب على بايدن وطنيّاً في استطلاعات الرأي (أ ف ب)

إنطلقت حملة «شيطنة» ترامب منذ إعلان نيّته الترشّح لخوض الانتخابات التمهيدية الجمهورية للرئاسة عام 2016. بدأت «سهام» السخرية تطال رجل الأعمال الذي كان يوماً داعماً للديموقراطيين، متهكّمةً أنّه لن يستطيع حجز بطاقة الترشّح لحزب «الفيل»، لكنّه فعل ذلك بسهولة وكسب الرهان في السباق إلى المكتب البيضوي رغم كلّ التحدّيات، متسلّحاً بمقاربة ترويجية ناجحة لأجندته السياسية لكسب أصوات البيض من الطبقة الوسطى، كان أبرز «مهندسيها» ستيف بانون الذي أصبح كبير المستشارين الاستراتيجيين في البيت الأبيض، قبل أن يترك منصبه بعد أقلّ من عام على تولّيه.

لم يمرّ يوم واحد من ولاية ترامب الرئاسية الصاخبة من دون أن يتعرّض فيه الرئيس الـ45 لهجمات شرسة، وتعترضه عراقيل جمّة من قِبل «التركيبة القائمة» في واشنطن، المتّصلة بـ»هياكل النفوذ» في بلاد «العم سام» والضاربة في أعماقها، لكونه «رئيساً دخيلاً» من خارج «المنظومة السياسية»، يحمل برنامجاً يمينيّاً حازماً لا تُحبّذه عادة النخب المؤثرة في «صناعة الرؤساء» على نار بطيئة، فيما شكّلت «شخصيّته الصدامية» مادة دسمة لكبرى وسائل الإعلام، خصوصاً أنّها تكاملت مع «لسانه الطلق» الذي أبعد عنه أصدقاء وحلفاء وزاد خصومه وأعداءه على السواء.

لم يتعاون الديموقراطيون مع إدارة ترامب بنوايا حسنة ورفضوا مجاراته في تسويات «بنّاءة» في أكثر من ملف شائك، بل «تصارعوا» مع إدارته وحاولوا عزله مرّتين بلا جدوى. ورغم تحقيقه إنجازات سياسية واجتماعية واقتصادية وديبلوماسية يعتدّ بها، إلّا أن تفشّي جائحة «كوفيد» وإنفلاش «تداعياتها المزلزلة»، شوّها صورة الرئيس الجمهوري آنذاك واستنزفا فرصه للتجديد لولاية ثانية عام 2020. لكنّ ممارسات ترامب «غير الرئاسية» مع نتائج انتخابات 2020، بعدما فاز بايدن بالسباق إلى البيت الأبيض، زاد «طين مشكلاته» بِلّة وسعّر الإنقسام الداخلي.

يواجه ترامب 91 تهمة جنائية في قضايا عدّة تُثقل حملته الانتخابية من دون أن تُعرقلها حتّى اللحظة، بينما يعمد بايدن الذي فتح مجلس النواب تحقيقاً رسميّاً لعزله نهاية العام الفائت بسبب أنشطة ابنه هانتر التجارية الدولية المثيرة للريبة، على «استثمار» معضلات غريمه اللدود القانونية والقضائية لمصلحة حملته الانتخابية المتعثّرة. وتجهد حملة بايدن في استخدام كلّ «الأسلحة» المتوافرة في جعبتها لتحسين وضعيّة الرئيس الديموقراطي الذي تعصف به الأزمات الداخلية والخارجية، خصوصاً استفحال قضية تدفّق المهاجرين غير الشرعيين عبر الحدود الجنوبية مع المكسيك، ما دفع الجمهوريين أخيراً إلى بدء اجراءات عزل وزير الأمن الداخلي أليخاندرو مايوركاس.

سيستغلّ بايدن يوم غد السبت الذي يُصادف الذكرى الثالثة لـ»هجوم الكابيتول» المشؤوم، لـ»تخويف» الأميركيين من ترامب وتضخيم مخاطر وصوله من جديد إلى البيت الأبيض على القيم الديموقراطية. واختارت حملة بايدن للمناسبة، بعد تخطيط دقيق، مدينة فالي فورغ ذات الرمزية التاريخية المرتبطة بالثورة الأميركية على التاج الملكي البريطاني، لكي يُلقي بايدن خطابه الذي سيتمحور على ترامب بلا أدنى شكّ، في غياب «انجازات» رئاسية وازنة. كما ستُعيد حملة بايدن تفعيل «تحالفها» وتزخيمه مع المجتمع الأفريقي - الأميركي الذي عوّل عليه بايدن أساساً لنيل بطاقة الترشيح الديموقراطية عام 2020، من خلال تكرار اسطوانة «محاربة العنصرية» المربحة في أوساط السود.

في خضمّ هذه المعمعة تُسلّط الأضواء على الدور المفصلي الذي ستؤدّيه المحكمة الأميركية العليا التي ستبتّ مسألة «أهلية ترامب» لتولّي منصب الرئيس، بعدما طلب محاموه من المحكمة العليا الواقعة في قبضة المحافظين، النظر في القرار الصادر في حقّ موكّلهم عن المحكمة العليا في ولاية كولورادو والقاضي بمنعه من خوض الانتخابات التمهيدية الجمهورية في الولاية، وإعلان بطلانه. ما زال ترامب الأوفر حظّاً لنيل بطاقة الترشيح الجمهورية بلا منازع، فضلاً عن أنّه يتفوّق على بايدن وطنيّاً في استطلاعات الرأي. «شيطنة» ترامب لم تؤتِ ثمارها المنتظرة، إنّما استحالت «ورقة رابحة» تُعزّز حظوظه الرئاسية، حتّى إشعار آخر.

MISS 3