رامي الرّيس

الديموقراطيّات الغربيّة تنزلق نحو الممارسات الديكتاتوريّة!

6 كانون الثاني 2024

02 : 01

جانب من تظاهرة داعمة للفلسطينيين في بوسطن الأحد الفائت (أ ف ب)

ثمّة اشكاليّة حقيقيّة تتصل بالديموقراطيّات الغربيّة وسلوكياتها، خصوصاً بعد حرب غزة والتفاوت الكبير الذي ولّدته بين الشعوب الغربيّة وحكوماتها التي قدّمت الدعم الأعمى لإسرائيل ووفرت الغطاء لحكومتها اليمينيّة المتطرّفة لتنفيذ الإبادة الجماعيّة في فلسطين، دون أن تسعى إلى وقفها بعد مرور نحو ثلاثة أشهر على بدايتها.

وإذا كانت تلك الإشكاليات العميقة موجودة منذ حقبات سابقة وتطفو على السطح بين الحين والآخر، ومنها ما هو متصل بالملف الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي في تلك البلدان، ولا سيما لناحية الحرّية الاقتصادية والرأسماليّة المفرطة التي كرّست التفاوت الطبقي والفوارق بين شرائح المجتمع ولم تعالج مشكلة الفقر المتأصلة في المجتمع، إلّا أنها أخذت بعداً أكثر تعقيداً في ما يتّصل بالشعارات البراقة التي لطالما رفعها الغرب في مجال الديموقراطيّة وحقوق الإنسان.

وجاء الأداء الغربي المتفاوت بين مقاربة الغزو الروسي لأوكرانيا والتعامل معه كاحتلال موصوف، مقابل التغاضي التام عن ممارسات الاحتلال الإسرائيلي الذي يجثم على صدور الفلسطينيين منذ أكثر من سبعين عاماً دون أن يكترث له الغرب، لا بل هو يقدّم له الدعم والغطاء الكامل لتأمين ديمومته.

كيف يمكن التعامل مع احتلال روسي لأوكرانيا على قاعدة رفضه تماماً والسعي إلى مواجهته واسقاطه عبر تقديم أكبر كميات من الأسلحة لكييف وأكثرها تطوراً دون التفكير مرتين، بينما يتم دعم المحتل الإسرائيلي وتوفير كل ما يتيسّر من أسلحة حديثة له لقتل الفلسطينيين الأبرياء وإشاحة النظر تماماً عن الإبادة الجماعيّة التي تحدث على مرأى من العالم بأكمله؟

كيف يمكن غض النظر بشكل كامل عن كل حقبة ما قبل السابع من أكتوبر وعدم النظر إلى كل ما ارتكبته إسرائيل على مدى عقود من مجازر وإرهاب موصوف ومثبت، وكل سياساتها في التوسع الاستيطاني والسعي إلى طرد السكان الأصليين؟ وهل يكفي التكرار الببغائي في الأدبيّات السياسيّة الرئاسيّة (وغير الرئاسيّة) الأميركيّة عن التمسك بحل الدولتين؟

ماذا فعلت واشنطن عمليّاً لدفع الاحتلال للقبول بهذا الحل وبمبادرة السلام العربيّة التي أقرتها قمّة بيروت العربيّة سنة 2002، دون أن تكترث لها إسرائيل أو تعتبر فعلاً أنها موجودة وتستحق الدراسة وفرص النجاح؟ ولماذا تخلّت الولايات المتحدة طوعاً عن دورها كوسيط بين الأطراف المتنازعة قادرة، بثقلها السياسي، أن تضغط في اتجاه التسوية السلميّة وأصرت على الانحياز التام لإسرائيل على مدى عقود، وها هي اليوم توفر غطاء كاملاً غير مشروط لإسرائيل لمواصلة القتل دون هوادة في قطاع غزة؟

المتحدث باسم وزارة الخارجيّة الأميركيّة نفى أن تكون واشنطن قد توصّلت إلى قناعة بأنّ ما يجري في غزة هو إبادة جماعيّة. وهو بهذا الموقف إنما يُمدّد فترة تغطية سياسة القتل والتدمير ويوفر الحماية الكاملة لإسرائيل.

هذا التفاوت الكبير بين الأدبيات السياسيّة التي يرفعها الغرب منذ سنوات مدّعياً بأنه موئل الديموقراطيّة وحقوق الإنسان وبين الممارسة السياسيّة لتلك البلدان، بات يطرح الكثير من علامات الاستفهام الحقيقيّة حول الخيارات الجدّية لدول الغرب وسبل ترجمتها في العالم. عمليّاً، ما الفرق بين نظام ديكتاتوري يمارس القتل المنهجي بحق شعبه، وبين دول تتحالف مع حكومات تُمارس القتل ذاته؟

ما لم تتحرّك الشعوب، أقله في الأنظمة الديموقراطيّة، لكشف زيف الشعارات التي تطرحها الحكومات الغربيّة ومحاسبتها في صناديق الاقتراع، فإنّ ذلك يعني المزيد من التقهقر للفكرة الديموقراطيّة ولآليات ممارستها في دول «العالم المتحضّر». لا يكفي رفع الشعارات البراقة وممارسة عكسها في السياسات الخارجيّة. هذه المقاربة لم تعد تنطلي على الرأي العام، ولا بد من المساءلة والمحاسبة، وهذا سيكون الاختبار الحقيقي للديموقراطيّات التي انزلقت نحو ممارسات لا تقل بشاعة عن الديكتاتوريات.

MISS 3