حسان الزين

المسافة صفر من اليمين الجديد في إسرائيل

6 كانون الثاني 2024

02 : 03

بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير من أبرز سياسيي اليمين الجديد في إسرائيل

ثمة كتب تفرض ضرورة قراءتها لارتباطها بالواقع والمجريات والأحداث. ينطبق ذلك على الكتاب حديث الصدور «اليمين الجديد في إسرائيل: مشروع الهيمنة الشاملة».

كثيرة هي الدراسات والأبحاث والمقالات التي تتناول «اليمين الجديد في إسرائيل»، لكن من ميزات هذا الكتاب أنه من باحثين فلسطينيين متخصّصين في الشؤون الإسرائيلية. والحقيقة أن معرفة هؤلاء بالكيان والحركة الصهيونية والاحتلال من «المسافة صفر» تُغني دراسات الكتاب. وفي الوقت الذي يكتبون فيه من ذات فلسطينية، يحرصون إلى حد بعيد على الالتزام بشروط البحث والدراسة.

الجميل في هذا الكتاب أنه يتجاوز النظرة التبسيطية في تناول حالة «اليمين الجديد في إسرائيل». ففي حين تضع دراسات الكتاب، لا سيما القسم الأول لهنيدة غانم، صعود اليمين الإسرائيلي في سياق صعود اليمين في العالم، تعتبر أنه ينتمي إلى سياق إسرائيلي وصهيوني، سياسي واجتماعي وديمغرافي وأيديولوجي. وهكذا، تنظر إلى صعود اليمين الجديد، صاحب «مشروع الهيمنة الشاملة»، ليس كظاهرة أو مزاج انتخابيين فحسب، إنما باعتباره تعبيراً عن حراك مجتمعي وديمغرافي وسياسي وأيديولوجي عميق وتاريخي، في إسرائيل والحركة الصهيونية.



غلاف "اليمين الجديد في إسرائيل"



فأطروحة الكتاب تقوم على أن صعود أقصى اليمين الجديد في إسرائيل «يرتبط بالتطور الجدلي للمشروع الصهيوني في ظل التحوّلات الديمغرافية والاجتماعية في مجتمع المهاجرين-مستوطنين، التي أفضت إلى خلخلة بنية النخب الصهيونية المؤسِّسة، وصعود قوة الجماعات التي كانت على هوامش المشروع الصهيوني أو التحقت به متأخراً. وتظهر خريطة الاستقطاب الداخلي انتظامه بين جماعتين على أساس علاقتها التاريخية مع المشروع الاستعماري الصهيوني وإقامة الدولة في 1948 هما المستعمرون المؤسّسون والمستعمرون المستجدّون، ولكل جماعة سماتها الإثنية والاقتصادية والاجتماعية».

ويرسم الكتاب مشهد الصراع بين المؤسّسين والمستجدّين: «انضمام الشرقيين غيّر البنية الديمغرافية للمجتمع المؤسّس، فبعدما كان اليهود الأشكناز العلمانيون يشكّلون أكثر من 85% من المجتمع اليهودي في العام 1948، أصبح مجتمع المهاجرين اليهودي مقسوماً مناصفة بين أشكناز وشرقيين، وتراجعت قوة العلمانيين من أغلبية ساحقة إلى نحو 45% اليوم. وبموازاة ذلك، تحول الحريديون من جماعات خارجية للصهيونية تتصرّف على أساس قطاعي مصالحي غير محسوب لا على يمين ولا على يسار، إلى جزء ناشط وفاعل في المشهد السياسي. صاحبت ذلك عملية قومنة وانزياح مستمر نحو اليمين وصولاً إلى موضعة الحريديم في قلب معسكر اليمين الجديد والتحول إلى أحد أعمدته المركزية. أما الصهيونية الدينية فشهدت ثورة أيديولوجية داخلية حولتها من حزب ملحق لمباي إلى رأس حربة الصهيونية الاستيطانية. أما الليكود... فنجح بعد التحالف مع الصهاينة المستجدين في الفوز في العام 1977. ومرَّ هذا الحزب الذي يقود اليوم تيار أقصى اليمين الجديد بتحولات عميقة أدت إلى تحوله من حزب يميني ليبرالي إلى حزب يميني شعبوي يتمحور حول شخصية الزعيم ويطوّر حوله طقوس ولاء وتبجيل».

ويرى الكتاب أن «المستعمر المستجد يصارع المستعمر المؤسس من أجل استبداله وتبوؤ مكانته التاريخية عبر إقامة هيمنه جديدة نشطة قوية تستبدل هيمنة القدماء الذين ارتخت قيمهم القومية وتعولمت هويّتهم وابتعدوا عن المعنى الحقيقي للصهيونية... ومع خلخلة هيمنة الصهيونية العلمانية الأشكنازية وظهور قوة الجماعات المتديّنة الحريدية والاستيطانية والمحافظة الشرقية، تتحول المبالغة والتمادي في الخطاب والممارسة معاً إلى جزء لا يتجزأ من أدوات العمل في الصراع على الحكم والهيمنة. في مقابل علمانية المؤسّسين والدولانية التي أقاموها ويصارعون للدفاع عنها، يدفع أقصى اليمين الجديد باتجاه الردكلة نحو دولة أكثر يهودية ويهودية أكثر قومية وقومية أكثر يهودية، ويدفع إلى الحسم مع العدو/ الفلسطيني وإقامة السيادة الكاملة والصلبة في أرض إسرائيل».

لا يكتفي الكتاب بهذا الإطار النظري، بل تُلقي دراساته الست في القسم الثاني الضوء على حالات عينية: المجتمع المدني اليميني ودوره في ضبط الخطاب العام وتعزيز الاستيطان (عبد القادر بدوي)، الصهيونية الدينية (مهند مصطفى)، المتزمّتون دينياً (وليد حباس)، التغيرات في المجتمع الحريدي (برهوم جرايسي)، علاقة الإنجيلية الصهيونية في الولايات المتحدة (علاء سلامة)، الصهيونية الجديدة واليمين الجديد (أنطوان شلحت). وقد صدر عن «الأهلية للنشر والتوزيع» الأردن، و»المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية - مدار» رام الله.

هكذا، يقف هذا الكتاب، وغيره من الدراسات والأبحاث، في مواجهة النظرة التبسيطية إلى اليمين الجديد في إسرائيل، التي تقتصر على اعتباره مزاجاً انتخابياً أو سياسيين متشدّدين ومتطرّفين أوصلهم ائتلاف حزبي إلى الحكومة، وبالتالي إذا ما أُبعدوا يُفتح طريق السلام.

MISS 3