السفير د. هشام حمدان

رسالة إلى سعادة سفيرة الولايات المتّحدة الجديدة

9 كانون الثاني 2024

02 : 00

سعادة السّفيرة، أهلاً بك في وطني لبنان. هذا الوطن الصّغير، الذي يحمل اسمه منذ أكثر من خمسة آلاف عام. سعادتك تعرفين جيّداً، لبنان. لن أعود للتّاريخ، أنت تدركينه وتدركين جمال مكوّناته وضيافة أهله. سأبدأ فوراً حيث يجب.

سعادتك من مواليد 1967. ذلك العام حمل الفرح لوالديك، لكنّه حمل أيضاً تحوّلاً كبيراً في تاريخ الشّرق الأوسط. إحتلّت إسرائيل كلّ فلسطين التّاريخيّة، وأجزاء من الأراضي العربيّة. لكن، بالنّسبة إلى لبنان، هو كان بداية معاناتنا الوطنيّة، وتحوّل بلدنا من سويسرا الشّرق، ومن الجسر الحضاري، والثّقافي، والتّربوي، بين الشّرق العربي والغرب، إلى ساحة حروب بينهما. منذ ذلك التّاريخ، تحوّل لبنان الدّيمقراطي، والمتميّز باحترامه للحرّيات وحقوق الإنسان، إلى ساحة تستغل القوى الدّيكتاتوريّة في المنطقة، وخاصّة في سوريا، تركيبته الدّقيقة والحرّيّات العامّة فيه، لبث التّفرقة في صفوف أبنائه، في حملات إيديولوجيّة عبثيّة، بغية تعزيز حضورها العسكري، والسّياسي، والإنطلاق منه، إقليميّاً ودوليّاً. وفرضت عليه عام 1969، قهراً، اتّفاق القاهرة المشؤوم. اتّفاق القاهرة كان البداية العمليّة للحرب الأهليّة في لبنان.

قالت مصادر السّفارة الأميركيّة في بيروت، أنّك ستقومين بـ»تطبيق سياسة الإدارة الأميركيّة المعلنة والمعروفة تجاه لبنان، إذ إنّ الولايات المتّحدة يهمّها استقرار لبنان وجنوبه، وتريد إبعاد لبنان عن الحرب في غزة».

سعادة السفيرة، ما بني على خطأ لن يقيم بنياناً صلباً يمكن للولايات المتّحدة أن ترتاح له. قرار إبعاد لبنان عن الحرب مع غزّة، ليس في القصر الحكومي في بيروت. قال السّفير دايفيد ساترفيلد، في إحدى زياراته إلى لبنان عام 2019، إنّ بلاده لن تكرّر خطأ عام 1991، وإنّ القرار بشأن مستقبل البلاد، يجب أن يكون للّبنانيّين. أخطأت الولايات المتّحدة في حينه، عندما قدمت جائزة ترضية إلى الدّيكتاتور السّوري حافظ الأسد، بتوليته ملف لبنان، وتنفيذ اتّفاق الطّائف، تقديراً لدوره مع التّحالف الدّولي لتحرير الكويت، من الدّيكتاتور العراقي، صدام حسين.

كنتم قد ساهمتم مع نهاية الحرب الباردة، بالتّوصّل إلى اتّفاق الطائف، لإنهاء الحرب الأهليّة في البلاد. كان الإتّفاق يفترض سحب سلاح الميليشيات، وتنفيذ إصلاحات دستوريّة، تزيل أسباب تلك الحرب. تمّ تعديل الدّستور ليتضمّن البنود الإصلاحيّة. وتمّ سحب السّلاح من كلّ الميليشيات عدا «حزب الله». هذه الميليشيا ليست لبنانيّة، بل هي جزء من الحرس الثّوري الإيراني. انتهت الأعمال العسكريّة التي كانت تدمّر لبنان داخليّاً. لكنّها إستمرّت إقليميّاً ودوليّاً. أقام الدّيكتاتور من لبنان، جرماً تابعاً له. كلّ قادة الميليشيات، صاروا جنوداً في جيشه، يزحفون إلى عنجر، مركز الحاكم السّوري العسكري، لتلقي الأوامر. وحده قائد ميليشيا القوّات اللّبنانيّة، رفض الخضوع لإرادته. تمّ سجنه. سمح الدّيكتاتور السّوري بتنفيذ بعض بنود دستور الطّائف، ورفض استكمال تطبيق البنود التي تحرّر اللّبنانيّين من أسباب انقسامهم وتشتّتهم. ترك قادة الميليشيات يتحكّمون بإدارة البلاد، واستغلال مواردها. وترك لهم إقطاعيّاتهم ممّا يمكّنه ساعة يشاء، من إعادة تفجير الحالة في البلاد. يعتبر هذا الواقع، في القانون الدّولي، إحتلالاً وليس وصاية.

من المؤسف أنّ واشنطن تعتقد أنّ الحرب الأهلية قد انتهت منذ ذلك الحين. لا. الحرب الأهليّة مستمرّة وأنتم تعلمون ذلك. كلّ الذي حصل هو توقّف آلة السّلاح. إستمرّ أمراء الحرب أنفسهم في قيادة البلاد. وبدلاً من التّواصل بينهم من خلف السّتار، أصبح التّواصل شرعيّاً من مقاعد مجلس الوزراء. كلّ أمير حرب يمسك كانتونه وإمارته. لن تتوقّف الحرب الأهليّة قبل استكمال تطبيق أحكام الدّستور، بكاملها.

حافَظ الدّيكتاتور، على توازن في علاقاته العربيّة الإيرانيّة. ترك للرّئيس رفيق الحريري إدارة البلاد ضمن الأطر التي يحددها. وترك ميليشيا إيران قوّة يواجه بها خصومه إقليميّاً ودوليّاً. سمح هذا الواقع لإيران، أن تعزّز من مكانتها في لبنان. توافقت مصالحه ومصالح إيران، بجعل إسرائيل، هدفاً مشتركاً لهما. كلّ منهما لغايته. عاد لبنان سريعاً ساحة حروب. دفن الدّيكتاتور، عاش الحرس الثّوري. أخذوا مكانه في الجنوب ولبنان.

لبنان دولة صغيرة يبلغ عدد سكّانها أربعة ملايين نسمة. هذا في حدّ ذاته، ليس حاسماً بالنسبة للأمن القومي الأميركي. لكنّ الأمر أصبح كذلك، فاستمرار الحرب في لبنان، جعله قاعدة لعدم الإستقرار في الشّرق الأوسط. نتمنّى لك النّجاح سعادة السّفيرة.

MISS 3