جوزيف حبيب

أميركا في مواجهة أخطر التحدّيات!

12 كانون الثاني 2024

02 : 00

تواجه واشنطن تحدّيات ديبلوماسية وجيوسياسية وأمنية وعسكرية متفاوتة الخطورة، انطلاقاً من «حديقتها الخلفية» اللاتينية، مروراً بالشرق الأوسط وشرق أوروبا وشمالها، وصولاً إلى أقصى شرق آسيا، ربّما تتخطّى بأشواط كلّ المعضلات المتلاحقة التي جابهتها أميركا وتصدّت لها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.

ليس بالأمر السهل على دولة واحدة، مهما تعاظمت قوّتها الاقتصادية والعسكرية وتعمّقت تحالفاتها الحيوية العابرة للقارات، أن تسهر على تأمين مصالحها الاستراتيجية وحمايتها في المحيطات الخمسة، خصوصاً أنّ «قوى مناوئة» لها تزداد جرأة وتمرّداً في مقارعتها على نفوذها واختبار مكانتها كـ»قوّة شاملة» حول العالم.

برزت أزمات إقليمية كانت خامدة لفترة من الزمن، وبدأت تُشكّل بؤراً مضطربة تُهدّد مصالح الولايات المتحدة وتضرب صورتها كـ»ضابط ايقاع» دولي، ما يُمهّد حال تفجّرها وخروجها عن السيطرة لـ»فوضى عالميّة» واندلاع حروب ونزاعات متنقّلة تضرب سلاسل الإمداد وتُعبّد الطريق أمام حرب عالمية ثالثة.

طفت على سطح الأزمات في الأشهر الأخيرة قضية منطقة إيسيكيبو الغنية بالنفط والثروات الطبيعية التي تُشكّل ثلثي مساحة غويانا، وتُطالب بها فنزويلا. وتُعتبر أميركا المشغّل الرئيسي للمنشآت النفطية في غويانا من خلال مجموعة النفط «إكسون موبيل»، وهذا ما دفع واشنطن ولندن إلى «عرض عضلاتهما» في المنطقة الشهر الماضي، بينما سارعت كاراكاس إلى الردّ بإطلاق مناورات عسكرية، رغم تعهّد غويانا وفنزويلا، بوساطة البرازيل، بعدم استخدام القوّة لحلّ خلافهما.

وفيما تبقى منطقة إيسيكيبو مفتوحة على كلّ السيناريوات، تتفاقم المشكلات المتراكمة في منطقة غرب البلقان لتطلّ برأسها من جديد، فارضةً أمراً واقعاً على الأوروبّيين والأميركيين وحلف «الناتو». وعلى الرغم من أجواء التهدئة الهشّة بين صربيا وكوسوفو، إلّا أنّ «الجمر الإتني والديني» ما زال متّقداً تحت «رماد» المساعي الحميدة. كما كان لافتاً احتفال صرب البوسنة هذا الأسبوع بعيدهم الوطني بعد 32 عاماً على إعلان «جمهورية صربسكا»، متحدّين بذلك دستور البوسنة والهرسك.

وهذه «الانتفاضة» الصربية في كوسوفو والبوسنة والهرسك على السواء، بالتوازي مع انتصار الحزب التقدّمي الصربي بزعامة الرئيس ألكسندر فوتشيتش في الانتخابات الصربية الأخيرة، تصبّ في مصلحة روسيا، الحليف التقليدي للصرب. وإذا تدهور أمن المنطقة واتجه نحو الإنفجار، سيخطف الأضواء من أوكرانيا ويزيد الأعباء على واشنطن في قلب أوروبا، فيما تتكدّس «القدرات» على الجناح الشرقي لـ»الناتو».

صحيح أنّ الأمن الأوروبي مسألة بالغة الأهمية عند صانع القرار الأميركي، بيد أنّ تداعيات «حرب غزة» فرضت نفسها على واشنطن لايجاد حلول لها، ولو باستخدام «العصا»، بعدما تلقت حرّية الملاحة صفعة قاسية من الحوثيين بدعم من طهران، طاولت طريق الشحن البحري الأسرع والأقلّ كلفة بين آسيا وأوروبا، من خلال عمليات القرصنة والهجمات على السفن، ما دفع بنحو 20 شركة شحن إلى تغيير مسار سفنها بالإبحار نحو «رأس الرجاء الصالح» لتفادي المرور بالبحر الأحمر.

وإلى جانب التزام إعادة الملاحة في البحر الأحمر إلى طبيعتها، تتدهور البيئة الأمنية الإقليمية مع استمرار استهداف «الأذرع الإيرانية» القواعد الأميركية ومصالح واشنطن في سوريا والعراق، حيث سيُغرق أي خيار عسكري حازم، قد يطال إيران نفسها، واشنطن، في مستنقع الشرق الأوسط أكثر فأكثر، في حين تعمل أميركا منذ سنوات على تخفيف حضورها المباشر في المنطقة لتركيز أصولها العسكرية على منطقة المحيطَين الهندي والهادئ.

وتشهد تايوان، درّة الصراع الأميركي - الصيني، انتخابات رئاسية مفصلية غداً السبت تُثير مخاوف بكين التي تُحاول التأثير على الجزيرة وخيار شعبها من خلال التهويل العسكري بأشكاله المختلفة، محذّرةً من «خطر جسيم» حال فوز مرشّح الحزب الديموقراطي التقدّمي الأوفر حظّاً، نائب الرئيسة «الاستقلالي» لاي تشينغ تي.

من المُحتمل أن تُغيّر تايوان مسار التاريخ في المستقبل المنظور، وهذا الامتحان المرتقب مُرعب في حدّ ذاته، فكيف بتزامنه مع تصاعد التوترات من بحر الصين الجنوبي صعوداً حتّى شبه الجزيرة الكورية؟ وما يزيد المشهد قتامة، احتمال «اهتزاز» أميركا بأزمة داخلية عميقة مرتبطة بانتخاباتها الرئاسية هذا العام، واستغلال أعدائها الأمر لمحاولة انتزاع مكاسب سياسية وعسكرية حاسمة!

MISS 3