طوني فرنسيس

كلام المعلّم... والسلطة البتراء

27 حزيران 2020

09 : 04

يعتقد المستمع الى تصريحات وليد المعلّم عن رفضه ترسيم الحدود مع لبنان، أنّ المعلّم إنّما يتحدّث عن إدلب ومحيطها، وقد يذهب به التفكير الى القول إنه يتحدّث عن لواء إسكندرون الذي بقي اسمه في الأدبيات القومجية السورية "اللواء السليب"، حتى قضت حاجات حماية النظام في دمشق بعقد اتفاقية أضنة مع الجار التركي، فبات من حقّ الأتراك التوغّل في الشمال السوري كلّه لحماية "أمنهم"، وغاب اللواء السليب في غياهب "هاتاي".

الا أن المعلّم كان يقصد لبنان تحديداً، وبكامل وعيه المُتبقّي، تنكّر لكلّ الاتفاقات والمواثيق التي تحكم العلاقات بين بلدان العالم، إن على مستوى الأمم المتحدة، أو على مستوى جامعة الدول العربية، كما رمى جانباً كل ما أُنجز سابقاً على صعيد ترسيم الحدود اللبنانية ـ السورية البالغ طولها ما يزيد عن 370 كيلومتراً، في عهد الإنتداب ثم بعد استقلال البلدين، وهو بذلك يواصل تراثاً تبنّته البورجوازية السورية ثم حوّلته القيادات الإنقلابية الى مبدأ في النظرة إلى لبنان، جعله حافظ الأسد سياسة ضمٍّ وإلحاق عملية، بلغت ذروتها في قيادته للسلطة اللبنانية بعد اتفاق الطائف.

يُكمل المعلّم ما بدأه معلّمه الأول ويستمرّ به معلّمه الثاني، وليس في الأمر ما يُفاجِئ. غير أن المؤسف هو أن لا يلتفت لقاء بعبدا "المصيري" الى هذه النقطة، وأن يتعاطى معها بوصفها سقفاً رسمه المسؤول السوري سلفاً عشية انعقاده مبتوراً. وكان شديد الرمزية تكليف سليم جريصاتي، المُثقل بعلاقاته الدمشقية، تلاوة نصٍ من خارج السياق والتاريخ والثوابت.

لم يعد السؤال بعد قرار المعلّم وبصم السلطة البتراء عليه، من سيحفظ لبنان وحقوقه؟ فالسؤال يتشعّب الى من سيحفظ حق اللبنانيين بالعيش وبالحرية وبالتقدّم، ومن سيردّ لهم المسروق من أموالهم وودائعهم وليرتهم... والجواب أنّ مَن يُفَرّط بالحدود والسيادة لن يكون أميناً على رغيف الخبز.

لكنّ لا شيء يدوم. وفي يوم من الأيام، قال المعلّم لوزير خارجية إحدى الدول "الرجعية" العربية: انتم نسألكم. يُمكنكم الذهاب الى منازلكم بعد انتهاء ولايتكم، لكن عندنا، الطريق المُتاح هو إمّا الى السجن أو إلى القبر. وكلامٌ عن لبنان يصدر من مسؤول بهذه الوضعية، لا يُعْتَدُّ به كثيراً.