رفيق خوري

طبعة إيرانية من "تلازم المسارين"

17 كانون الثاني 2024

02 : 00

كما في أيام الوصاية السورية كذلك في أيام النفوذ الإيراني: لبنان مجرد ميدان. أرض لمعارك بالوكالة، وطاولة لتفاوض الوصي والنافذ بالأصالة على صفقة مع أميركا. وكل شيء فيه معلّق حتى يحصل الآخرون على مطالبهم. والشعارات ناطقة: من «وحدة المسار والمصير» الى «تلازم المسارين» في مفاوضات التسوية أيام الوصاية السورية. ومن تسليح المقاومة الإسلامية لتحرير الجنوب ثم توظيف التحرير في هيمنة «حزب الله» على السلطة الى «وحدة المسارات ومحور المقاومة» لتحرير فلسطين على الطريق الى مشروع إقليمي أيام النفوذ الإيراني.

يروي الوزير الأميركي الراحل جورج شولتز في كتاب «إضطراب وإنتصار: سنواتي كوزير للخارجية» أيام الرئيس رونالد ريغان أن مسؤولين وغير مسؤولين بينهم هنري كيسينجر عرضوا علي خطة وقالوا: لا تدعوا مشاكل لبنان تطغى على ما عداها بل قدّموا مشروعاً للشرق الأوسط». قلت: «هذه خطة سيئة. أزمة لبنان شيء وإيجاد تسوية شرق أوسطية شيء آخر، ولن أساوم بواحد من أجل الآخر». وحين بدأت عملية تسوية شاملة في «مؤتمر مدريد» بعد حرب «عاصفة الصحراء» أيام الرئيس جورج بوش الأب فرضت دمشق على بيروت ان تلتزم «تلازم المسارين «. وكان على المفاوض اللبناني أن يمارس التفاوض للتفاوض من دون الرغبة في التوصل الى تسوية تضمن إنسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني قبل التسوية في الجولان السوري المحتل.

حتى خلال المفاوضات المباشرة بين سوريا وإسرائيل على مستويات رفيعة برعاية أميركا، فإن الرئيس بيل كلينتون يروي في مذكراته تحت عنوان «حياتي» أن وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت قالت لرئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك في شيبرزتاون «إن السوريين أظهروا مرونة تجاه ما طلبتموه لكنكم لم تقدموا شيئاً، فماذا تريد؟». رد باراك: «أريد معاودة المفاوضات مع لبنان». وكان تعليق رئيس الوفد السوري الوزير فاروق الشرع أن «باراك غير جدي». وبقي كل شيء على حاله الى أن قرر باراك سحب القوات الإسرائيلية من الجنوب تحت ضغط المقاومة في لبنان ومطالب «الأمهات الأربع» في إسرائيل، فلم تكن دمشق راضية لأن الجولان بقي تحت الإحتلال.

اليوم يفرض «حزب الله» وبالتالي إيران ربط لبنان بحرب غزة ومصير «حماس». لا وقف نار على جبهة الجنوب التي فتحها «حزب الله» بعد 17 عاماً من الهدوء في أعقاب حرب 2006 قبل وقف النار في غزة، على الرغم من خطر الحرب الشاملة. ولا تفاوض على استعادة الباقي من أرض لبنان المحتلة قبل أن تنتهي حرب غزة. طبعة إيرانية من «تلازم المسارين». ومرة ثانية بعد التضحية بمصلحة لبنان العليا من أجل فلسطين، وتعريضه لحرب طويلة واجتياح إسرائيلي وتدخل سوري وإقليمي ودولي، تتم التضحية به من أجل غزة. في المرة الاولى دفع لبنان ثمناً باهظاً من دون أن تحقق الفصائل الفلسطينية العاملة على أرضه شيئاً من أحلامها في تحرير فلسطين. وفي المرة الثانية يدفع لبنان الثمن من دون ان يؤدي فتح الجبهة الجنوبية الى تخفيف التوحش الإسرائيلي في غزة التي تقول الأمم المتحدة أنها صارت «غير صالحة للسكن» بعد تدمير البنية التحتية فيها و 70% من المنازل وقتل 24 ألف مواطن وإصابة 61 ألفاً.

وما أكمل العقدة هو انضمام حكومة تصريف الأعمال الى موقف «حزب الله» وبالتالي موقف طهران وقول رئيسها نجيب ميقاتي «أبلغنا جميع الموفدين أن الحديث عن تهدئة في لبنان فقط أمر غير منطقي، وانطلاقاً من عروبتنا ومبادئنا نطلب ان يصار الى وقف النار في غزة بالتزامن مع وقف نار جدي في لبنان، ولا نقبل ان يكون أخوة لنا يتعرضون للإبادة الجماعية والتدمير ونحن نبحث فقط عن اتفاق خاص مع احد». مزايدة حتى على الدول العربية التي لا يمنع التضامن مع غزة من ترتيب شؤونها الداخلية وعلاقاتها الخارجية. يقول مثل إيراني: «المصباح الذي يحتاج اليه البيت محرّم على الجامع». فلماذا يكون تدمير لبنان محللاً من اجل غزة؟

MISS 3